لأن العقل خلق ساذجا ليس عنده من العلوم النظرية شيء ، وقيل للفكر ميز بين الحق والباطل الذي في هذه القوة الخيالية ، فينظر بحسب ما يقع له ، فقد يحصل في شبهة ، وقد يحصل في دليل عن غير علم منه بذلك ، ولكن في زعمه أنه عالم بصور الشبه من الأدلة ، وأنه قد حصل على علم ، ولم ينظر إلى قصور المواد التي استند إليها في اقتناء العلوم فيقبلها العقل منه ويحكم بها ، فيكون جهله أكثر من علمه بما لا يتقارب ، ثم إن الله كلّف هذا العقل معرفته سبحانه ليرجع إليه فيها لا إلى غيره ، ففهم العقل نقيض ما أراد به الحق ، فاستند إلى الفكر وجعله إماما يقتدى به ، وغفل عن الحق في مراده بالتفكر ، أنه خاطبه أن يتفكر فيرى أن علمه بالله لا سبيل إليه إلا بتعريف الله ، فيكشف له عن الأمر على ما هو عليه ، فلم يفهم كل عقل هذا الفهم ، إلا عقول خاصة الله من أنبيائه ، وأوليائه ، فالذي ينبغي للعاقل أن يدين الله به في نفسه أن يعلم أن الله على كل شيء قدير ، نافذ الاقتدار ، واسع العطاء ، ليس لإيجاده تكرار ، بل أمثال تحدث في جوهر أوجده ، وشاء بقاءه ، ولو شاء أفناه مع الأنفاس (أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) فإنها أدركت بلا شك ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لو لا تزييد في حديثكم وتمريج في قلوبكم لرأيتم ما أرى ولسمعتم ما أسمع (وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) وهي أعين البصائر ، تعمى عن النظر في مقدمات الأدلة وترتيبها (وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) فبين مكان القلوب ، وهذا يؤيد ما ذهبنا إليه ، من أن مركز الروح وهو الخليفة المستخلف على الجسم إنما هو القلب ، فليست الإشارة للقلب النباتي فإن الأنعام يشاركوننا في ذلك ، لكن للسر المودع فيه وهو الخليفة ، والقلب النباتي قصره ، قال صلىاللهعليهوسلم : إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد وإذا فسدت فسد سائر الجسد ألا وهي القلب ، فالقلب النباتي لا فائدة له إلا من حيث هو مكان لهذا السر المطلوب ، المتوجه عليه الخطاب ، والمجيب إذا ورد السؤال ، والباقي إذا فني الجسم والقلب النباتي ، فنقول كذلك إذا صلح الإمام صلحت الرعية وإذا فسد فسدت ، بذا جرت العادة وارتبطت الحكمة الإلهية ، فالقلب ما دام في الصدور فهو أعمى لأن الصدر حجاب عليه ، فإذا أراد الله أن يجعله بصيرا خرج عن صدره فرأى ، فالأسباب صدور الموجودات ، والموجودات كالقلوب ، فما دام الموجود ناظرا إلى السبب الذي صدر عنه كان أعمى عن شهود الله الذي أوجده ، فإذا أراد الله أن يجعله بصيرا ترك النظر إلى السبب الذي أوجده