ولا كل ما ليس بحق يذم ، فالأدباء يعرفون المواطن التي يحمد فيها الحق فيأتون به فيها ، ويعرفون المواطن التي يحمد فيها ما ليس بحق فيأتون به فيها ، ويتعلق بذلك تعلق الإرادة بالأمر التكليفي وموافقتها أو عدم الموافقة ، وأقوى الجدال ما يجادل به الله ، ومن أراد العصمة من ذلك فلينظر إلى ما شرع الله له ، وأتى على ألسنة رسله ، فيمشي معه حيث مشى ويقف عنده حيث وقف من غير مزيد ، وإن تناقضت الأمور وتصادمت فذلك له لا لك ، وقل : لا أدري هكذا جاء الأمر من عنده ، وارجع إليه وقل : (رَبِّ زِدْنِي عِلْماً).
(وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً (٥٥) وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (٥٦) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً) (٥٧)
الإعراض عن الآيات التي نصبها الحق دلائل عليه دليل على عدم الإنصاف واتباع الهوى المردي ، وهو علة لا يبرأ منها صاحبها بعد استحكامها حتى يبدو له من الله ما لم يكن يحتسب ، فعند ذلك يريد استعمال الدواء فلا ينفع ، كالتوبة عند طلوع الشمس من مغربها.
(وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (٥٨) وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (٥٩) وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) (٦٠)