نعت الخلق من خصوص وصف الإله ، وقد أضاف الخلق إلى الخلق ، انفرد هو بالنظر إلى ما أثبت من الخلق للخلق بالأحسن في قوله (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) وهو معنى قوله (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) والبركة الزيادة ، فزاد (أحسن) في قوله (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) وقال تعالى في الرد على عبدة الأوثان (أفمن يخلق كمن لا يخلق) فنفى الخلق عن الخلق ، فلو لم يرد عموم نفي الخلق عن الخلق لم تقم به حجة على من عبد فرعون وأمثاله ممن أمر من المخلوقين أن يعبد من دون الله ، ولم يكن هؤلاء ممن يدخل في عموم الخالقين في قوله (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) فإنهم لم يتصفوا بالإحسان في الخلق ، ومن وجه آخر (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) خلق الناس التقدير ، فللخلق التقدير وليس لهم إمضاؤه ، والخلق في قوله تعالى (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) الإيجاد.
(ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ (١٦) وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ (١٧) وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) (١٨)
قال تعالى (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) فعلق الذهاب بالمشيئة ، وهنا قال تعالى (وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) فعلق الذهاب بالاقتدار ، فما به قدرته أراد وشاء ، فاعلم أن متعلق القدرة الإيجاد لا الإعدام ، فيتعرض هنا أمران : الأمر الواحد أن الذهاب المراد هنا ليس الإعدام وإنما هو انتقال من حال إلى حال ، فمتعلق القدرة ظهور المحكوم عليه بالحال التي انتقل إليها ، فأوجدت القدرة له ذلك الحال ، فما تعلقت إلا بالإيجاد ، والأمر الآخر أن وصفه بالاقتدار على الذهاب ، أي لا مكره له على إبقائه في الوجود ، فإن وجود عين غير القائم بنفسه ، أي بقاءه ، إنما هو مشروط بشرط ، بوجود ذلك الشرط يبقى الوجود عليه ، وذلك الشرط يمده الله به في كل زمان ، وله أن يمنع وجود ذلك الشرط ، ولا بقاء للمشروط إلا به ، فلم يوجد الشرط فانعدم المشروط ، وهذا الإمساك ليس متعلق القدرة ، وقد وصف نفسه بالقدرة على ذلك ، فلم يبق إلا فرض المنازع الذي يريد بقاءه ، فهو قادر على دفعه لما لم