النهاية بعين الموافقة والهداية (وَهُمْ لَها سابِقُونَ) على نجب الأعمال إلى مرضاته كما قال (وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) والمسارعة في الخيرات هي كونه لا يتصرف في مباح ، بل هو في الواجبات ، فإذا خطر له فرض قام إليه بلا شك ، وإذا خطر له خاطر في مندوب فليحفظ أول الخاطر ، فإنه قد يكون من إبليس فيثبت عليه ، فإذا خطر له أن يتركه إلى مندوب آخر هو أعلى منه وأولى فلا يعدل عن الأول ، وليثبت عليه ويحفظ الثاني ، ويفعل الأول ولا بد ، فإذا فرغ منه شرع في الثاني ليفعله أيضا ، فهو في خير على كل حال ، ويرجع الشيطان خاسئا حيث لم يتفق له مقصوده ، ومن جهة أخرى فإن المغفرة لا تصح إلا بعد حصول فعل الخير الموجب لها ، فنحن نسارع في الخيرات إلى المغفرة ، ولما كانت المسارعة إلى الخيرات وفي الخيرات تتضمن المشقة والتعب ، لأن سرعة السير تشق ، أعقب الله هذه المشقة رحمة ، إما في باطن الإنسان ، وهو الذي رزقه الله الالتذاذ بالطاعات ، فتصرّفه المحبة فلا يحس بالمشقة ولا بالتعب في رضى المحبوب ، وإن كان بناء هذا الهيكل يضعف عن بعض التكاليف ، فإن الحب يهونه ويسهله ، وإما في الآخرة فلا بد من الراحة ، ومن وصل إلى تحصيل الخير المحض ، وهو قوله تعالى : كنت سمعه وبصره وأمثال هذا ، فقد وصل إلى السعادة الأبدية ، وهو الوصول المطلوب.
(وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٢) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ (٦٣) حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ (٦٤) لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ (٦٥) قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (٦٧) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ