مؤاخذ وإن أخطأ ، فما كان الخطأ له مقصودا ، وإنما كان قصده إصابة الحق على ما هو عليه الأمر ، فالحق عند اعتقاد كل معتقد بعد اجتهاده ، إلا أن المراتب تتفاضل ، والله أوسع وأجل وأعظم أن ينحصر في صفة تضبطه ، ومن استند إلى معبود موضوع فإنما استند إليه بظنه لا بعلمه ، فلذلك أخذ به فشقي ، إلا أن يعطي المجهود من نفسه في نفي الشريك ، فلم يعط فكره ولا نظره ولا اجتهاده نفيه جملة واحدة ، ولم يبعث إليه رسول ولم تصل إليه دعوته ، فإن جماعة من أهل النظر قالوا بعذر من هذه حالته ، وهو مأجور في نفس الأمر مع أنه مخطىء ، وليس بصاحب ظن ، بل هو قاطع لا عالم ، والقطع على الشيء لا يلزم أن يكون عن علم ، بل ربما يستروح من قول الله تعالى (لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) أن الله يعذره ، ولا شك أن المجتهد الذي أخطأ في اجتهاده في الأصول يقطع أنه على برهان فيما أداه إليه اجتهاده ونظره ، وإن كان ليس ببرهان في نفس الأمر ، فقد يعذره الله تعالى لقطعه بذلك عن اجتهاد ، كما قطع الصاحب أنه رأى دحية وكان المرئي جبريل ، فهذا قاطع على غير علم فاجتهد فأخطأ ، وقد رأى بعض العلماء أن الاجتهاد يسوغ في الفروع والأصول ، فإن أخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران ، وهذه الآية تعطي النظر في معرفة الله جهد الاستطاعة ، أصاب في ذلك المجتهد أو أخطأ ، بعد بذل الوسع في الاجتهاد في ذلك ، فقد يعتقد المجتهد فيما ليس ببرهان أنه برهان ، فيجازيه الله مجازاة أصحاب البراهين الصحيحة ، وقد نبه سبحانه على ما يفهم منه ما ذكرناه بهذه الآية بقوله (لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) يريد بالبرهان هنا في زعم الناظر ، فإنه من المحال أن يكون ثمّ دليل في نفس الأمر على إله آخر ، فإنه في نفس الأمر ليس إلا إله واحد ، ولم يبق إلا أن تظهر الشبهة بصورة البرهان فيعتقد أنها برهان ، وليس في قوته أكثر من هذا ، فهو في زعمه أنه برهان ، ولم يكن برهانا في نفس الأمر فهو قد وفّى وسعه ، فإن الله ما كلف نفسا إلا ما آتاها ، وهو أمر يتفاضل فيه الناس فقال (فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) هل وفّى ما آتاه من النظر في ذلك أم لا؟ (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) وليس الكافر إلا من علم ثم ستر ، وإن لم يعلم فما هو كافر ، فهذه الآية رحمة من الله بمن لاحت له شبهة في إثبات الكثرة فاعتقد أنها برهان ، بأن الله يتجاوز عنه ، فإنه بذل وسعه في النظر ، وما أعطته قوته غير ذلك ، فليس للمشركين عن نظر أرجى في عفو الله من هذه الآية ، وبقي الوعيد في حق المقلدين ، فبهم ألحق الشقاء ، حيث أهلهم الله للنظر وما نظروا