هي المطلوبة عند الله عن حدوده والمسؤولة عنها ، وهي مرتبطة بالحواس والقوى لا انفكاك لها عن هذه الأدوات الجسمية الطبيعية العادلة الزكية المرضية المسموع قولها ؛ ولا عذاب للنفس إلا بواسطة تعذيب هذه الجسوم ، وهي التي تحسّ بالآلام المحسوسة لسريان الروح الحيواني فيها ، وعذاب النفس بالهموم والغموم وغلبة الأوهام والأفكار الرديئة ، وما ترى في رعيتها مما تحس به من الآلام ويطرأ عليها من التغييرات ، كل صنف بما يليق به من العذاب ، وقد أخبر بمآلها لإيمانها إلى السعادة ، لكون المقهور غير مؤاخذ بما جبر عليه ، فالإنسان سعيد من حيث نشأته الطبيعية ومن حيث نشأة نفسه الناطقة بانفراد كل نشأة عن صاحبتها ، وبالمجموع ظهرت المخالفة ، فما عذبت الجوارح بالألم إلا لإحساسها باللذة فيما نالته من حيث حيوانيتها ، ولا عمل للنفوس إلا بهذه الأدوات ، ولا حركة في عمل للأدوات إلا بالأغراض النفسية ، فكما كان العمل بالمجموع وقع العذاب بالمجموع ، ثم تقضي عدالة الأدوات في آخر الأمر إلى سعادة المؤمنين ، فيرتفع العذاب الحسي ، ثم يقضى حكم الشرع الذي رفع عن النفس ما همت به ، فيرتفع أيضا العذاب المعنوي عن المؤمن ، فلا يبقى عذاب معنوي ولا حسي على أحد من أهل الإيمان ، وبقدر قصر الزمان في الدار الدنيا بذلك العمل لوجود اللذة فيه ـ وأيام النعيم قصار ـ تكون مدة العذاب على النفس الناطقة الحيوانية الدرّاكة مع قصر الزمان المطابق لزمان العمل ، فإن أنفاس الهموم طوال ، فما أطول الليل على أصحاب الآلام وما أقصره بعينه على أصحاب اللذات والنعيم ، فزمان الشدة طويل على صاحبه وزمان الرخاء قصير ، فإذا عذبت النفس في دار الشقاء فبما يمسّ الجوارح من النار وأنواع العذاب فأما الجوارح فتستعذب جميع ما يطرأ عليها من أنواع العذاب ، ولذا سمي عذابا لأنّها تستعذبه كما يستعذب ذلك خزنة النار حيث تنتقم لله ، وكذلك الجوارح حيث جعلها الله محلا للانتقام من تلك النفس التي كانت تحكم عليها ، والآلام تختلف على النفس الناطقة بما تراه في ملكها وبما تنقله إليها الروح الحيواني ، فإن الحسّ ينقل للنفس الآلام في تلك الأفعال المؤلمة ، والجوارح ما عندها إلا النعيم الدائم في جهنم ، مثل ما هي الخزنة عليه ممجدة لله تعالى مستعذبة لما يقوم بها من الأفعال ، كما كانت في الدنيا ، فيتخيل الإنسان أن العضو يتألم لإحساسه في نفسه بالألم وليس كذلك إنما هو المتألم بما تحمله الجارحة ،