العلم الذي لا تعمل لهم فيه بخاطر أصلا ، حتى لا يشوبه شيء من كدورات الكسب ، والنبوات كلها علوم وهبية ، لأن النبوة ليست مكتسبة ، فالشرائع كلها من علوم الوهب وكل علم حصل عن دعاء فيه أو بدعاء مطلق فهو مكتسب ، والعلم المكتسب لا يصلح إلا للرسل صلوات الله عليهم ، فإنهم في باب تشريع الاكتساب ، فإذا وقفوا مع نبوتهم لا مع رسالتهم كان حالهم مع الله ترك طلب ما سواه ، فالكسب هو توفيقه وإلهامه إلى ترك جميع المعلومات وجميع العالم من خاطره ، ويجلس فارغ القلب مع الله بحضور ومراقبة وسكينة وذكر إلهي باسم الله ذكر قلب ، ولا ينظر في دليل يوصله إلى علمه بالله ، فإذا لزم الباب وأدمن القرع بالذكر علّمه الله من لدنه علما ، وهذا مقام المقربين وهو بين الصديقية ونبوة التشريع ، فلم يبلغ منزلة نبي التشريع من النبوة العامة ، ولا هو من الصديقين الذين هم أتباع الرسل لقول الرسل ، وغير الرسل من العلماء بالله مثل الخضر وأمثاله لم يكله إلى عنديته ولا إلى نفسه ، بل تولى تعليمه ليريحه ، لما هو عليه من الضعف ، وأعطاه هذا العلم من أجل قوله (لَدُنَّا) والغصن اللدن هو الرطيب ، فهي هنا اللين والعطف وهي الرحمة المبطونة في المكروه ، وبهذه الرحمة قتل الغلام وخرق السفينة ، وبالرحمة التي في الجبلة أقام الجدار ، وأضاف الحق التعليم إليه تعالى لا إلى الفكر ، فعلمنا أن ثمّ مقاما آخر فوق الفكر يعطي العبد العلم بأمور شتى ، يقول عنه بعض العلماء إنه وراء طور العقل ، ومن العلوم ما يمكن أن يدركها العقل من حيث الفكر ، ومنها ما يجوّزها الفكر وإن لم تحصل لذلك العقل من الفكر ، ومنها ما يجوزها الفكر وإن كان يستحيل أن يعينها الفكر ، ومنها ما يستحيل عند الفكر ويقبلها العقل من الفكر مستحيلة الوجود لا يمكن أن يكون له تحت دليل الإمكان ، فيعلمها هذا العقل من جانب الحق واقعة صحيحة غير مستحيلة ، ولا يزول اسم الاستحالة ولا حكم الاستحالة عقلا ، قال صلىاللهعليهوسلم : [إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العلماء بالله ، فإذا نطقوا به لم ينكره إلا أهل الغرة بالله] هذا من العلم الذي يكون تحت النطق ، فما ظنك بالعلم الخارج عن الدخول تحت حكم النطق ، فما كل علم يدخل تحت العبارات وهي علوم الأذواق كلها ، وفي هذه الآية جمع بنون الجمع في قوله تعالى آتيناه وعلمناه ولدنا ، أي جمع له في هذا الفتح العلم الظاهر والباطن ، وعلم السر والعلانية ، وعلم الحكم والحكمة ، وعلم العقل