وعلا ، وإلى الأرض وهو ما ظهر من القوى الحسية ودنا ، قال الله تعالى : إنه عين نفورها عن ذاتها ، فلم يشهد إلا هو ، فهو عين السموات والأرض ، فإن الخلق ظلمة ولا يقف للنور فإنه ينفرها ، والظلمة لا ترى النور ، وما ثمّ إلا نور الحق ، فمن النور ما يدرك به ولا يدرك في نفسه ، والنور لا يرى أبدا ، والظلمة وإن حجبت فإنها مرئية للمناسبة التي بينها وبين الرائي ، فإنه ما ثمّ ظلمة وجودية إلا ظلمة الأكوان ، فكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول في دعائه : واجعلني نورا ، فكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يطلب بهذا الدعاء أن يكون الحق بصره حتى يراه به ، ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم : [نور أنّى أراه] فإنه ما رآه مني إلا هويته ، وظلمتي لا تدركه ، فقال (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فهو الذي أنارت به العقول العلوية ، وهو قوله : السموات ، والصور الطبيعية وهو قوله (وَالْأَرْضِ) ـ الوجه الثاني ـ (اللهُ نُورُ) تسمى الحق بالنور ولم يتسم بالظلمة إذ كان النور وجودا والظلمة عدما ، وإذ كان النور لا تغالبه الظلمة بل النور الغالب ، كذلك الحق لا يغالبه الخلق بل الحق الغالب ، فسمى نفسه نورا ، فهو أصل الموجودات كلها من اسمه النور (السَّماواتِ) وهي ما علا (وَالْأَرْضِ) وهي ما سفل ، فالأجسام الطبيعية أصلها النور ، والطبيعة نور في أصلها ، فأول موجود العقل وهو القلم وهو نور إلهي إبداعي ، وأوجد عنه النفس وهو اللوح المحفوظ ، وهي دون العقل في النورية للوساطة التي بينها وبين الله ، وما زالت الأشياء تكثف حتى انتهت إلى الأركان والمولدات ، وبما كان لكل موجود وجه خاص إلى موجده به كان سريان النور فيه ، وبما كان له وجه إلى سببه به كان فيه الظلمة والكثافة ما فيه ، فلهذا كان الأمر كلما نزل أظلم وأكثف ، فأين منزلة العقل من منزلة الأرض؟ كم بينهما من الوسائط؟ والإنسان آخر مولد فهو آخر الأولاد ، مركب من حمأ مسنون صلصال ، فيه من الأنوار المعنوية والحسية والزجاجية ما فيه ، مما لا تجده في غيره من المولدات بما أعطاه الله من القوى الروحانية ، فما قبلها إلا بالنورية التي فيه ، فلو لا النورية التي في الأجسام الكثيفة ما صح للمكاشف أن يكشف ما خلف الجدران وما تحت الأرض ، فلا يدرك الشيء إن لم يكن فيه نور يدرك به من ذاته ، وهو عين وجوده واستعداده بقبول إدراك الأبصار بما فيها من الأنوار له ، واختص الإدراك بالعين عادة ، وإنما الإدراك في نفسه إنما هو لكل شيء ، فكل شيء يدرك بنفسه وبكل شيء ألا ترى الرسول صلىاللهعليهوسلم كيف كان يدرك من خلف ظهره كما