(يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) (٤٤)
قال تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) فالعالم في كل نفس في تحول وانقلاب في الشؤون الإلهية ، فهو تعالى المحول القلوب في الليل والنهار بما يقلبها ، وفي السماء بما يوحي فيها ، وفي الأرض بما يقدر فيها ، وفيما بينهما بما ينزل فيه ، وفينا بما نكون عليه ، وهو معنا أينما كنا فنتحول لتحوله ونتقلب لتقلبه (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) لاختلاف الآثار ، وما ذاك إلا لاختلاف استعداد المحل ، ومن عرف ذلك عرف اختلاف الملل والنحل ، فمن نظر في حقائق الأشياء عاش عيشة السعداء.
(وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٤٥)
(فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) وهي الحيّات (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لا على ما ليس بشيء ، فإن لا شيء ، لا يقبل الشيئية ، إذ لو قبلها ما كانت حقيقته لا شيء ، ولا يخرج معلوم عن حقيقته ، فلا شيء محكوم عليه بأنه لا شيء أبدا ، وما هو شيء ، محكوم عليه بأنه شيء أبدا ، ومن هنا تعلم شيئية الأعيان الثبوتية التي قال الله تعالى فيها : (إِذا أَرادَ شَيْئاً) قال له : (كُنْ فَيَكُونُ).
(لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٦) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٧) وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٥٠)