فهل من خلقك شيء أشد من الحديد؟ قال : نعم النار ، قالوا : يا رب فهل من خلقك شيء أشد من النار؟ قال : نعم الماء ، قالوا : يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الماء؟ قال : نعم الريح ، قالوا : يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الريح؟ قال : ابن آدم تصدق بصدقة بيمينه يخفيها عن شماله] فأعطى الله من القوة النافذة للهوى ما يظهر بها على أكثر العقول إلا أن يعصم الله تعالى ، فإن الهوى يقول : أنا الإله المعبود عند كل موجود ، فإنه يعرض عن العقل وما جاء به النقل ، وتتبعه الشياطين والشهوة.
(أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) (٤٤)
(إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ) يعني في الضلال الذي هو الحيرة ، وما شبّه الله أهل الضلال بالأنعام نقصا بالأنعام ، فقد أثنى رسول الله صلىاللهعليهوسلم على البهائم بقوله : [لو يعلم البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينا] وإنما وقع التشبيه في الحيرة ، لا في المحار فيه ، فإن الأنعام والبهائم عالمة بالله بالفطرة حائرة فيه ، لذلك قال تعالى «إن هم إلا كالأنعام فإن لهم قلوبا يعقلون بها ، وإن لهم أعينا يبصرون بها ، وإن لهم آذانا يسمعون بها ، فأنزلوا أنفسهم منزلة الأنعام «بل هم أضل سبيلا» لأن الأنعام ما جعل الله لهم هذه القوى التي توجب لصاحب البصر أن يعتبر ، ولصاحب الأذن أن يعي ما يسمع ، ولصاحب القلب أن يعقل ؛ والسبيل الطريق ، فزادوا ضلالا أي حيرة في الطريق التي يطلبونها للوصول إلى معرفة ربهم من طريق أفكارهم ، فهذه حيرة زائدة على الحيرة في الله ، وكذلك قال فيهم حيثما قال ، إنما جعل الزيادة في السبيل وليس إلا الفكر والتفكر فيما منع التفكر فيه ، وهو النظر ، فقال تعالى (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) ـ راجع الأعراف ١٧٨ ـ.
(أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (٤٥) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) (٤٦)