إلى الشخص الممتد منه ببروز النور حتى يشهد ذلك المكان ، فجعل المقبوض إنما كان قبضه إلى الله لا إلى الجدار ، وفي الشاهد وما تراه العين أن سبب انقباض الظل وتشميره إلى جهة الشخص الكثيف إنما هو بروز النور ، فهذه آية الدلالة على الله بضرب مثل الظل ، فأمرنا سبحانه بالنظر إليه ، والنظر إليه معرفته ، ولكن من حيث أنه مد الظل ، وهو إظهاره وجود عينك ، وما في المسائل الإلهية ما تقع فيها الحيرة أكثر ولا أعظم من مسئلة الأفعال ، فما نظرت إليه من حيث أحدية ذاته في هذا المقام وإنما نظرت إليه من حيث أحدية فعله في إيجادك في الدلالة ، وهذه الآية دليل من قال بمنع تجليه سبحانه في الأفعال ، أي في نسبة ظهور الكائنات والمظاهر عن الذات التي تتكون عنها الكائنات ، وهو قوله تعالى (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) والأمر بينك وبين الحق في الوجود بين الاقتدار الإلهي ، وبين القبول من الممكن ، فقبض الظل إليه ليعرفك بك وبنفسه ، لأنه ما خرج الظل إلا منك ، ولو لا أنت لم يكن ظل ، ولو لا الشمس أو النور لم يكن ظل ، وكلما كثف الشخص تحققت أعيان الظلال ، فمهما ارتفع واحد من الأمرين ، ارتفع الوجود الحادث ، كذلك إذا ارتفع العين المشرق أو الجسم الكثيف الحائل عن نفوذ هذا الإشراق فيه لما حدث الظل ، وقوله تعالى (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) الضمير في عليه يطلب الظل لأنه أقرب مذكور ، ويطلب الاسم الرب ، وإعادته على الرب أوجه ، فإنه بالشمس ضرب الله المثل في رؤيته يوم القيامة ، فقال على لسان نبيه صلىاللهعليهوسلم [ترون ربكم كما ترون الشمس بالظهيرة] أي وقت الظهر ، وأراد عند الاستواء بقبض الظل في الشخص في ذلك الوقت لعموم النور ذات الرائي ، وهو حال فنائه عن رؤية نفسه في مشاهدة ربه ، ثم قال (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) وهو عند الاستواء ، ثم عاد إلى مده بدلوك الشمس وهو بعد الزوال ، لأنه في هذا الوقت تثبت له المعرفة بربه من حيث مده الظل ، وهنا تكون إعادة الضمير من «عليه» على الرب أوجه ، فإنه عند الطلوع يعاين مد الظل ، فينظر ما السبب في مده؟ فيرى ذاته حائلة بين الظل والشمس ، فينظر إلى الشمس فيعرف في مده ظله ما للشمس في ذلك من الأثر ، فكان الظل على الشمس دليلا في النظر ، وكان الشمس على مد الظل دليلا في الأثر. واعلم أن الممكنات التي أوجدها الحق تعالى هي للأعيان التي تتضمنها حضرة الإمكان ـ وهي برزخ بين حضرة الوجود المطلق والعدم المطلق ـ بمنزلة الظلالات للأجسام ، بل هي الظلالات