وما أوجب علينا أن نخوض فيه خضنا فيه طاعة أيضا ، وما لم يرد فيه تحجير ولا وجوب فهو عافية ، إن شئنا تكلمنا فيه ، وإن شئنا سكتنا عنه ، وهذا ينطبق على أمهات المطالب الأربعة : هل ، وما ، وكيف ، ولم ؛ والنهي شرعا لا يكون إلا ما يرد من الله ، أو من رسوله صلىاللهعليهوسلم ، فمن ادعى التحجير في إطلاق هذه العبارات فعليه بالدليل ، والأولى التوقف عن الحكم بالمنع أو الجواز ، إذ لا حكم إلا للشرع فيما يجوز أن يتلفظ به أو لا يتلفظ به ، يكون ذلك طاعة أو غير طاعة ، والحق سبحانه لا يقال فيه : إن له ماهية ، وإن سئل عنه «بما» فالجواب بصفة التنزيه ، أو صفة الفعل لا غير ذلك ، لذلك قال موسى عليهالسلام :
(قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) (٢٤)
(إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) يقول إن استقر في قلوبكم ما يعطيه الدليل والنظر الصحيح من الدّال ، فأخذ موسى عليهالسلام ـ العالم ـ في التعريف بماهية الحق ، ـ والرسل عندنا أعلم الخلق بالله ـ فقال فرعون ، وقد علم أن الحق مع موسى فيما أجابه به ، إلا أنه أوهم الحاضرين واستخفهم ، لأن السؤال منه إنما وقع بما طابقه الحق ، وهو قوله (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) فما سأله إلا بذكر العالمين ، فقال موسى عليهالسلام (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) فطابق الجواب السؤال ، فقال فرعون لقومه :
(قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ) (٢٥)
أسأله عن الماهية ، فيجيبني بالأمور الإضافية ، فغالطهم وهو ما سأل إلا عن الرب المضاف ، فقال له موسى :
(قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) (٢٦)
فخصص الإضافة لدعوى فرعون في قومه أنه ربهم الأعلى.
(قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) (٢٧)