خلقه ، ولهذا قال الخليل (فَهُوَ يَشْفِينِ) فنص على الشافي ، وما ذكر شفاء لغيره ، فأزال إبراهيم عليهالسلام الاحتمال ، لما جعل الله في الأدوية من الشفاء ، وإزالة الأمراض ، ويحتمل أن يريد محمد صلىاللهعليهوسلم بقوله [لا شفاء إلا شفاؤك] أن كل مزيل لمرض إنما هو شفاء الله الذي أودعه في ذلك المزيل ، فأثبت الأسباب ، وهذا كان غرض رسول الله صلىاللهعليهوسلم مع تقرير الأسباب ، لأن العالم ما يعرفون شفاء الله من غير سبب ، مع اعتقادهم أن الشافي هو الله ، ويحتمل لفظ النبي صلىاللهعليهوسلم إثبات أشفية ، لكن لا تقوم في الفعل قيام شفاء الله ، فقال لا شفاء إلا شفاؤك] والأول في التأويل أولى بمنصب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلما دخل الاحتمال ، كان البيان من هذا الوجه في خبر إبراهيم الخليل عليهالسلام ، واقتضى مقام النبي صلىاللهعليهوسلم أن يبيّن أن الأشفية التي تكون عند الاستعمال أسبابها أنها شفاء الله ، إذ لا يتمكن رفع الأسباب من العالم عادة ، وقد ورد أن الله ما خلق داء إلا وخلق له دواء. وانظر إلى آداب النبوة التي لا يبلغها أدب ، عند قول الخليل (وَإِذا مَرِضْتُ) فهو نهاية في الأدب ، ولم يقل : وإذا أمرضني ، لما كان المرض عيبا عرفا أضاف المرض إلى نفسه ، إذ كان عيبا عنده ، فجمع عليهالسلام في هذه المسئلة بين أدب نسبة المرض إلى نفسه ، وبين الأدب في التعريف أن ذلك المرض حكم لاسم إلهي من غير تصريح ، لكن بالتضمين والإجمال ، وأضاف الشفاء إلى ربه إذ كان حسنا فقال (فَهُوَ يَشْفِينِ) فنسب الشفاء إلى ربه ، ولم ينسب إليه المرض ، لأنه شر في العرف بين الناس ، وإن كان في طيه خير في حق المؤمن ، ولما أوحى الله أن نتبع ملة إبراهيم ، أخبر نبيه بحديث إبراهيم وقوله هذا تعليما له صلىاللهعليهوسلم ليتأدب بأدبه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم [والشر ليس إليك] فقول الخليل (فَهُوَ يَشْفِينِ) بداية التحقيق وقول النبي صلىاللهعليهوسلم [لا شفاء إلا شفاؤك] نهاية النهاية ، فهي أتمّ والإتيان بالأمرين أولى وأعم ، ومع هذا القصد من الخليل عليهالسلام في قوله (وَإِذا مَرِضْتُ) فإن الظاهر في اللفظ الإضافة الحقيقية إليه فلذلك قال بعد قوله :
(وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) (٨٢)
يقول إنه أخطأ ، وإن كان القصد الأدب ، حيث نسب المرض لنفسه وما نسبه إلى الله ، وما قصد إلا الأدب معه ، حتى لا يضيف ما هو عيب عندهم عرفا إلى الله ، ولذلك