فكانت الثالثة ، ونسي موسى حالة قوله (إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) وما طلب الإجارة على سقايته مع الحاجة.
(قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) (٧٨)
فحصل لموسى عليهالسلام مقصوده ومقصود الحق في تأديبه ، فعلم أن لله عبادا عندهم من العلم ما ليس عنده.
(أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) (٧٩)
من كلام خضر يعلم أدب الإضافة ، فقال (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) لذكره العيب وهو ما يذم ، وقال في الغلام (فأردنا أن يبدلهما) للاشتراك بين ما يحمد ويذم ، وقال في الجدار (فأراد ربك) لتخليص المحمدة فيه ، فيكتسب الشيء الواحد بالنسبة ذما ، وبالإضافة إلى جهة أخرى حمدا وهو عينه ، وتغير الحكم بالنسبة.
(وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً) (٨٠)
وقد شهد الله للخضر بأنه رحيم ، اقتلع رأس الغلام وقال : إنه طبع كافرا ، فلو عاش أرهق أبويه طغيانا وكفرا ، وانتظم الغلام في سلك الكفار ، فقتله الخضر رحمة به وبأبويه ، أما الصبي حيث أخرجه من الدنيا على الفطرة فسعد الغلام ـ والله أعلم ـ وسعد أبواه.
(فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً) (٨١)
الضمير في قوله (فَأَرَدْنا) يعود على الخضر وعلى الله ، فيعود على الله تعالى بما كان في ذلك القتل من الرحمة بالأبوين وبالغلام ، وعلى الخضر بقتل نفس زكية بغير نفس ، فظاهره جور ، فشرك في الضمير بينه وبين الله.