(قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (٤١) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) (٤٢)
لما قامت لبلقيس شبهة بعد المسافة ، وقيل لها (أَهكَذا عَرْشُكِ؟ قالَتْ : كَأَنَّهُ هُوَ) وما كان إلا هو ، ولكن حجبها بعد المسافة ، وحكم العادة ، وجهلها بقدر سليمان عليهالسلام عند ربه ، فهذا حجبها أن تقول : هو هو ؛ فقالت : (كَأَنَّهُ هُوَ) وهو هو ، فجهلها أدخل كاف التشبيه فما شبهته إلا بنفسه وعينه لا بغيره ، وإنما شوش عليها بعد المسافة المعتاد ، ولو شاهدت الاقتدار الإلهي لعلمت أنه هو ، كما كان هو من غير زيادة ، فقولها : (كَأَنَّهُ هُوَ) حصل لها من وقوفها مع الحركة المعه دة في قطع المسافة البعيدة ، وعلمت بعد ذلك أنه هو لا غيره ، وهذا القول الذي صدر منها يدل عندي أنها لم تكن كما قيل متولدة بين الإنس والجان ، إذ لو كانت كذلك لما بعد عليها مثل هذا ، من حيث علمها بأبيها ، وما تجده من نفسها من القوة على ذلك ، حيث كان أبوها من الجان على ما قيل. فهذا شهود حاصل ، وعين مشهودة ، وعلم ما حصل ، لأن متعلق العلم المطلوب هنا إنما هو نسبة هذا العرش المشهود إليها كما هو في نفس الأمر ، ولم تعلم ذلك.
(وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) (٤٣)
فلو شاهدت الاقتدار الإلهي لعلمت أنه هو.
(قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٤٤)
(قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ) وكان الصرح أملس لا أمت فيه (فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً) أي ماء (وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها) حتى لا يصيب الماء ثوبها (قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ) من زجاج (قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ) أي إسلام سليمان (لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) فما انقادت لسليمان ، وإنما انقادت لله رب العالمين ، وسليمان من العالمين ،