الشيء هو حقيقة حقائق العالم الكلية المعقولة في الذهن الذي يظهر في القديم قديما ، وفي الحادث حادثا ، فإن قلت : هذا الشيء هو العالم صدقت وإن قلت : إنه الحق القديم سبحانه صدقت ، وإن قلت : إنه ليس العالم ولا الحق تعالى وأنه معنى زائد صدقت ، كل هذا يصح عليه ، وهو الكلي الأعم الجامع الحدوث والقدم ، وهو يتعدد بتعدد الموجودات ، ولا ينقسم بانقسام الموجودات ، وينقسم بانقسام المعلومات ، وهو لا موجود ولا معدوم ، ولا هو العالم وهو العالم ، وهو غير ولا هو غير ، لأن المغايرة في الوجودين والنسبة انضمام شيء ما إلى شيء آخر ، فيكون منه أمر آخر يسمى صورة ما والانضمام نسبة ، فهذا الشيء الذي نحن بسبيله لا يقدر أحد أن يقف على حقيقته عبارة ، لكن نومىء إليه بضرب من التشبيه والتمثيل ، فنقول : نسبة هذا الشيء الذي لا يحد ولا يتصف بالوجود ولا بالعدم ، ولا بالحدوث ولا بالقدم ، إلى العالم كنسبة الخشبة إلى الكرسي والتابوت والمنبر والمحمل ، والفضة إلى الأواني والآلات التي تصاغ منها كالمكحلة والقرط والخاتم ، فبهذا تعرف تلك الحقيقة ، فخذ هذه النسبة ولا تتخيل النقص فيه كما تتخيل النقص في الخشبة بانفصال المحبرة عنها ، واعلم أن الخشبة صورة مخصوصة في العودية ، فلا تنظر أبدا إلا للحقيقة المعقولة الجامعة التي هي العودية ، فتجدها لا تنقص ولا تتبعض ، بل هي في كل كرسي ومحبرة على كمالها من غير نقص ولا زيادة ، وإن كان في صورة المحبرة حقائق كثيرة منها : الحقيقة العودية والاستطالية والتربيعية والكمية وغير ذلك ، وكلها فيها بكمالها ، وكذلك الكرسي والمنبر ، وهذا الشيء الثالث هو هذه الحقائق كلها بكمالها ، فسمه إن شئت حقيقة الحقائق ، فالمعقولات العشرة وهي الجوهر والعرض والحال والزمان والمكان والعدد والإضافة والوضع وأن يفعل وأن ينفعل ، تكوّن الحقيقة التي أوجد الحق من مادتها الموجودات العلويات والسفليات ، فهو الأم الجامعة لجميع الموجودات ، وهي معقولة في الذهن غير موجودة في العين ، وهو أن تكون لها صورة ذاتية لكنها في الموجودات حقيقة من غير تبعيض ولا زيادة ولا نقص ، فوجودها عن بروز أعيان الموجودات قديمها وحديثها ، ولو لا أعيان الموجودات ما عقلناها ، ولو لاها ما عقلنا حقائق الموجودات ، فوجودها موقوف على وجود الأشخاص ، والعلم بالأشخاص تفصيلا موقوف على العلم بها ، إذ من لا يعرفها لم يفرق بين الموجودات. وقال مثلا : إن الجماد والملك والقديم شيء واحد ، إذ لا يعرف الحقائق