(أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٥١)
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً) بهم فإنا أرسلناك رحمة للعالمين ، فضمنا القرآن جميع ما تعرف الأمم أنه آية على صدق من جاء به ، إذ لم يعلموا منه بقرائن الأحوال أنه قرأ ولا كتب ولا طالع ولا عاشر ولا فارق بلده ، بل كان أميا من جملة الأميين ، وأخبرهم عن الله بأمور يعرفون أنه لا يعلمها من هو بهذه الصفة التي هو عليها هذا الرسول إلا بإعلام من الله ، فكان ما جاء في القرآن من ذلك آية كما قالوا وطلبوا ، وكان إعجازه للعرب خاصة إذ نزل بلسانهم وصرفوا عن معارضته ، أو لم يكن في قوتهم ذلك من غير صرف حدث لهم ، فجاء القرآن بما جاءت به الكتب قبله ، ولا علم له بما جاء فيها إلا من القرآن ، وعلمت ذلك اليهود والنصارى وأصحاب الكتب ، فحصلت الآية من عند الله لأن القرآن من عند الله.
(قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٥٢)
(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ) فسماهم الحق مؤمنين ، ولكن تحقق في إيمانهم بالباطل أنهم ما آمنوا به من كونه باطلا ، وإنما آمنوا به من كونهم اعتقدوا فيه ما اعتقده أهل الحق في الحق ، فمن هنا نسب الإيمان إليهم ، وبما هو في نفس الأمر على غير ما اعتقدوه سماه الحق لنا باطلا ، لا من حيث ما توهموه ، فأظهروا ما ليس بوجود وجودا ، وأزالوا في عقدهم وجود ما هو وجود وهو الله ، فسماه الله سترا ، فكان مستورا عنهم وجود الحق بما ستروه ، إذ لم يستروه حتى تصوروه وبعد التصور ستروه ، فكانوا كافرين (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين.
(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً