(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ) (٥٧)
من مات قامت قيامته ، وإن خفيت بالأرض قامته ، وما مات أحد إلا بحلول أجله ، وما قبض إلا دون أمله ، والفوت في الموت لكل ميت ، فإن الدار الدنيا محل بلوغ الأمل ، ما لم يخترمه الأجل ، هي مزرعة الآخرة فأين الزارع؟ وفيها تكسب المنافع ، والموت للمؤمن تحفة ، والنعش له محفة ، ينقله من العدوة الدنيا ، إلى العدوة القصوى ، حيث لا فتنة ولا بلوى ، ليس بخاسر ولا مغبون ، من كان أمله المنون ، فإن فيه اللقاء الإلهي ، والبقاء الكياني (ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ) فالكل إلى الله راجع ، لأنه الاسم الجامع.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٥٨) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٥٩) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٠) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٦١) اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٢) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٦٣) وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٦٤)
فسمى الحق الدار الآخرة دار الحيوان لحياتها ، فأهلها يتنعمون فيها حسا ومعنى ، والجنة أيضا أشد تنعما بأهلها الداخلين فيها ، ولهذا تطلب ملأها من الساكنين ، فالكل حيوان ، فإن الدار الآخرة دار ناطقة ظاهرة الحياة ، ثابتة العين ، غير زائلة ، بعكس الدار الدنيا فإنها