نفوس المحتاجين إليه لافتقارهم إلى المنفعة ودفع المضار ، فأداهم ذلك إلى عبادة الأشياء وإن لم يشعروا ، ولما علم الله ما أودعه في خلقه ، وما جعل في الثقلين من الحاجة إلى ما أودع الله في الموجودات وفي الناس بعضهم إلى بعض قال : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ) فذكر لقاء الله ليدل على حالة الرضى من غير احتمال ، كما ذكره رسول الله صلىاللهعليهوسلم وذلك في الجنة ، فإنها دار الرضوان ، فما كل من لقي الله سعيد (فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً) أي لا يشوبه فساد ، والصالح الذي لا يدخله خلل ، فإن ظهر فيه خلل فليس بصالح ، وليس الخلل في العمل وعدم الصلاح فيه إلا الشرك ، فقال : (وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) أي لا يذل إلا الله لا لغيره ، لأنه إذا لم ير شيئا سوى الله وأنه الواضع أسباب المضار والمنافع ، لجأ إلى الله في دفع ما يضره ونيل ما ينفعه من غير تعيين سبب ، ونكر (أَحَداً) فدخل تحته كل شيء له أحدية ، وعم كل ما ينطلق عليه اسم أحد ، وهو كل شيء في عالم الخلق والأمر ، وعم الشرك الأصغر ، وهو الشرك الذي في العموم ، وهو الربوبية المستورة المنتهكة ، في مثل فعلت وصنعت وفعل فلان ولو لا فلان ، فهذا هو الشرك المغفور ، فإنك إذا راجعت أصحاب هذا القول فيه رجعوا إلى الله تعالى ، والشرك الذي في الخصوص ، فهم الذين يجعلون مع الله إلها آخر ، وهو الظلم العظيم ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [إن الله إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية ، فأول من يدعى به رجل جمع القرآن ورجل قتل في سبيل الله ورجل كثير المال ، فيقول الله للقارىء : ألم أعلمك ما أنزلته على رسولي؟ قال : بلى يا رب ، قال : فماذا عملت فيما علمت؟ قال : كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار ، فيقول الله له : كذبت ، وتقول الملائكة له : كذبت ، ويقول الله : إنما قرأت ليقال فلان قارىء فقد قيل ذلك ، ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له : ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال : بلى يا رب ، قال : فماذا عملت فيما آتيتك؟ قال : كنت أصل الرحم وأتصدق ، فيقول الله له : كذبت ، وتقول له الملائكة : كذبت ، ويقول الله له : بل أردت أن يقال فلان جواد فقيل ذلك ، ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقول الله : فيماذا قتلت؟ فيقول : أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت ، فيقول الله له : كذبت ، وتقول له الملائكة : كذبت ، ويقول الله له : بل أردت أن يقال فلان جريء فقد قيل ذلك ، ثم ضرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم على ركبة أبي هريرة وقال يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول من يسعر