(وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) ولم يسم أجرا ، ولا جعل القنوت إلا من أجله لا من أجل أمر آخر (وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ) هم الذين تولاهم الله بالصدق في أقوالهم وأفعالهم فقال تعالى : (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) فهذا من صدق أحوالهم ، والصدق في القول معلوم وهو ما يخبر به ، وصدق الحال ما يفي به في المستأنف ، وهو أقصى الغاية في الوفاء لأنه شديد على النفس فلا يقع الوفاء به في الحال والقول إلا من الأشداء الأقوياء ، ولا سيما في القول ، فإنك لو حكيت كلاما عن أحد كان بالفاء فجعلت بدله واوا لم تكن من هذه الطائفة ، فانظر ما أغمض هذا المقام وما أقواه ، فإن نقلت الخبر على المعنى تعرّف السامع أنك نقلت على المعنى ، فتكون صادقا من حيث إخبارك عن المعنى عند السامع ، ولا تسمى صادقا من حيث نقلك لما نقلته ، فإنك ما نقلت عين لفظ من نقلت عنه ، ولا تسمى كاذبا فإنك قد عرفت السامع أنك نقلت المعنى ، فأنت مخبر للسامع عن فهمك لا عمن تحكي عنه ، فأنت صادق عنده في نقلك عن فهمك ، لا عن الرسول أو من تخبر عنه أن ذلك مراده بما قال ، فالصدق في المقال عسير جدا ، قليل من الناس من يفي به ، إلا من أخبر السامع أنه ينقل على المعنى فيخرج من العهدة ، فالصدق في الحال أهون منه إلا أنه شديد على النفوس ، فإنه يراعي جانب الوفاء لما عاهد من عاهد عليه ، وقد قرن الله الجزاء بالصدق والسؤال عنه فقال : (ليجزي الصادقين بصدقهم) ولكن بعد أن يسأل الصادقين عن صدقهم ، وجزاؤهم به هو صدق الله فيما وعدهم به (وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ) هؤلاء تولاهم الله بالصبر ، وهم الذين حبسوا نفوسهم مع الله على طاعته من غير توقيت ، فجعل الله جزاءهم على ذلك من غير توقيت ، فقال تعالى : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) فما وقّت لهم فإنهم لم يوقتوا ، فعم صبرهم جميع المواطن التي يطلبها الصبر ، فكما حبسوا نفوسهم على الفعل بما أمروا به ، حبسوها أيضا على ترك ما نهوا عن فعله ، فلم يوقتوا فلم يوقّت لهم الأجر ، وهم الذين أيضا حبسوا نفوسهم عند وقوع البلايا والرزايا بهم عن سؤال ما سوى الله في رفعها عنهم ، بدعاء الغير أو شفاعة أو طب ، إن كان من البلاء الموقوف إزالته على الطب ، ولا يقدح في صبرهم شكواهم إلى الله في رفع ذلك البلاء عنهم ، ألا ترى إلى أيوب عليهالسلام سأل ربه رفع البلاء عنه بقوله : (مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ومع هذا أثنى عليه بالصبر وشهد له به ، فلو كان الدعاء إلى الله في رفع الضرر