ورفع البلاء يناقض الصبر المشروع المطلوب لم يثن الله به على أيوب بالصبر وقد أثنى عليه به ، بل من سوء الأدب مع الله أن لا يسأل العبد رفع البلاء عنه ، لأن فيه رائحة من مقاومة القهر الإلهي بما يجده من الصبر وقوته ، وهذا لا يناقض الرضا بالقضاء ، فإن البلاء إنما هو عين المقضي لا القضاء ، فيرضى بالقضاء ويسأل الله في رفع المقضي عنه ، فيكون راضيا صابرا (وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ) قوم تولاهم الله بالخشوع من ذل العبودية القائم بهم ، لتجلي سلطان الربوبية على قلوبهم في الدار الدنيا ، فينظرون إلى الحق سبحانه من طرف خفي ، يوجده الله لهم في قلوبهم في هذه الحالة ، خفي عن إدراك كل مدرك إياه ، بل لا يشهد ذلك النظر منهم إلا الله ، فمن كانت حالته هذه في الدار الدنيا من رجل أو امرأة فهو الخاشع وهي الخاشعة ، فيشبه القنوت من وجه إلا أن القنوت يشترط فيه الأمر الإلهي ، والخشوع لا يشترط فيه إلا التجلي الذاتي ، وكلتا الصفتين تطلبهما العبودية ، فلا يتحقق بهما إلا عبد خالص العبودية والعبودة ، وله حال ظاهر في الجوارح التي لها الحركات ، وحال باطن في القلوب ، فيورث في الظاهر سكونا ويؤثر في الباطن ثبوتا ، والقنوت يورث في الظاهر بحسب ما ترد به الأوامر من حركة وسكون ، فإن كان القانت خاشعا فحركته في سكون ولا بد إن ورد الأمر بالتحرك ، ويورث القنوت في الباطن انتقالات أدق من الأنفاس ، متوالية مع الأوامر الإلهية الواردة عليه في عالم باطنه ، فالخاشع في قنوته في الباطن ثبوته على قبول تلك الأوامر الواردة عليه من غير أن يتخللها ما يخرجها عن أن تكون مشهودة لهذا الخاشع ، فالخاشع والقانت خشوعه وقنوته أخوان متفقان في الموفقين من عباد الله (وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ) وهم الذين تولاهم الله بجوده ليجودوا بما استخلفهم الله فيه مما افتقر إليه خلق الله ، فأحوج الله الخلق إليهم لغناهم بالله ، فالكلمة الطيبة صدقة ، ولما كان حالهم التعمل في الإعطاء لا العمل ، دل على أنهم متكسبون في ذلك ، لنظرهم أن ذلك ليس لهم وإنما هو لله ، فلا يدعون فيما ليس لهم ، فلا منة لهم في الذي يوصلونه إلى الناس أو إلى خلق الله من جميع الحيوانات ، وكل متغذ عليهم لكونهم مؤدين أمانة كانت بأيديهم أوصلوها إلى مستحقيها ، فلا يرون أن لهم فضلا عليهم فيما أخرجوه ، وهذه الحالة لا يمدحون بها إلا مع الدوام والدؤوب عليها في كل حال (وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ) قوم تولاهم الله بالإمساك الذي يورثهم الرفعة عند الله تعالى عن كل شيء أمرهم الحق أن يمسكوا