عنه أنفسهم وجوارحهم ، فمنه ما هو واجب ومندوب ، والصوم المعه د داخل فيه ، والمقام الأكمل لمن تحقق بهذ الإمساك ، فأورثه الرفعة عند الله ، فإن الصوم هو الرفعة ، قال الشاعر : إذا صام النهار وهجر ؛ أي ارتفع النهار (وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ) وهو خصوص من عموم حفظ حدود الله ، ولهذا قال فيهم : (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً) أي سترا ، لأن الفرج عورة تطلب الستر ، فهو إنباء عن حقيقة والحافظون فروجهم على طبقتين : منهم من يحفظ فرجه عما أمر بحفظه منه ولا يحفظه مما رغب في استعماله ، لأمور إلهية وحكم ربانية أظهرها إبقاء النوع على طريق القربة ، ومنهم من يحفظ فرجه إبقاء على نفسه لغلبة عقله على طبعه ، وغيبته عما سنه أهل السنن من الترغيب في ذلك ، فإن انفتح له عين وانفرج له طريق إلى ما تعطيه حقيقة الوضع المرغب في النكاح فذلك صاحب فرج فلم يحفظه الحفظ الذي أشرنا إليه ، وأما صاحب الشرع الحافظ به فلا بد له من الفتح ، ولكن إذا اقترنت مع الحفظ الهمة (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ) وهم الذين تولاهم الله بإلهام الذكر ليذكروه فيذكرهم ، قال تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) وقال : [من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه] والذكر أعلى المقامات كلها ، ولما كان الذاكرون أعلى الطوائف لأن الله جليسهم ، لهذا ختم الله بجلسائه وبذكرهم صفات المقربين من أهل الله ، ذكرانهم وإناثهم ، فالذاكر هو الرجل الذي له الدرجة على غيره من أهل المقامات ، فإن الله تعالى مع الذاكرين له بمعية اختصاص ، وما ثمّ إلا مزيد علم ، به يظهر الفضل ، فكل ذاكر لا يزيد علما في ذكره بمذكوره فليس بذاكر ، وإن ذكر بلسانه ، لأن الذاكر هو الذي يعمه الذكر كله ، فذلك هو جليس الحق ، فلا بد من حصول الفائدة ، لأن العالم الكريم الذي لا يتصور فيه بخل لا بد أن يهب جليسه أمرا لم يكن عنده ، إذ ليس هنالك بخل ينافي الجود ، فلم يبق إلا المحل القابل ، ولا يجالس إلا ذو محل قابل ، فذلك هو جليس الحق ، وهم على الحقيقة جلساء الله من حيث الاسم الذي يذكرونه به ، وهذه مسئلة لا يعرفها كثير من الناس ، وما ذكر الله بعد الذاكرات شيئا ، فالذاكرون الله كثيرا والذاكرات آخر الطوائف ، ليس بعدهم أحد له نعت يذكر ، فختم بهم جلساءه ، وقوله تعالى : (كَثِيراً) أي في كل حال ، هذا معنى الكثير ، فإنه من الناس من يكون له هذه الحالة في أوقات ما ، ثم ينحجب ، ومن ذلك أن كل صفة علوية إلهية لا تنبغي إلا لله ويكون