الملك في الأمر الذي وجه إليه فيه ، فقيل له : تربص قليلا فإن الملك في خلوته يعزل لك خلعة تشريف يخلعها عليك ، فما كان شغله عنه إلا به ، ولذلك فسّر له صلاة الله بقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ) فشرف بأن قيل له : إنما غاب عنك من أجلك وفي حقك ـ الوجه الرابع ـ (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) عموما وقال : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) خصوصا بخصوص صلاة ، وقد جاء بالملائكة في قوله : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) بعد ما ذكرنا وفصل بنا بين صلاته وبين الملائكة ، بقوله (عَلَيْكُمْ) ثم قال : (لِيُخْرِجَكُمْ) فأفرد الخروج إليه ، وما جاء بضمير جامع يجمع بين الله وبين الملائكة في الصلاة على المؤمنين كما فعل في قوله : (يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) فعمنا كلنا والنبي صلىاللهعليهوسلم من جملتنا بقوله : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ) وأفرد نفسه في ذلك ثم قال : (وَمَلائِكَتُهُ) فأفرد الملائكة بالصلاة على العباد وفيهم النبي صلىاللهعليهوسلم ، فلجميع الخلق توحيد الصلاة من الله وتوحيد الصلاة من الملائكة ، وخصّ النبي صلىاللهعليهوسلم وحده فيما أخبرنا به ، وأما قوله (وَمَلائِكَتُهُ) أي أيضا يصلون عليكم بما قد شرع لها من ذلك وهو قوله (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) الآية فصلاة الملائكة علينا كصلاتنا على الجنازة سواء لمن عقل ، فهي شفاعة ، ثم قال : (لِيُخْرِجَكُمْ) بلام السبب (مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) ابتداء منه ومنّة ، وبدعاء الملائكة وهو قولهم : (وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ) فإن السيئات ظلمات ، فمنهم من يخرج من ظلمات الجهل إلى نور العلم ، ومن ظلمات المخالفة إلى نور الموافقة ، ومن ظلمات الضلال إلى نور الهدى ، ومن ظلمات الشرك إلى نور التوحيد ، ومن ظلمات الشقاء والتعب إلى نور السعادة والراحة ، فكما أن الصلاة الإلهية وهي عموم رحمته بمخلوقاته ، كذلك صلاة الملائكة تامة الخلقة ، فإنها دعت للذين تابوا وقالت أيضا (وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ) فعمت ، فما بقي أمر إلا دخل في صلاة الملائكة من طائع وعاص على أنواع الطاعات والمعاصي ، ثم قال : (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ) أي المصدقين (رَحِيماً) أي رحمهم لما صدقوا به من وجوده الذي هو أعم من التصديق بالتوحيد ، فإنه يندرج بعد الإيمان بالوجود الإلهي كل ما يجب به الإيمان على طبقاته ثم قال :
(تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً) (٤٤)