حتى تذكروه ، قال تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) وقال صلىاللهعليهوسلم مخبرا عن ربه : [من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه] فهو المصلي عن سابق ذكر العبد ، ولا تذكرونه حتى يوفقكم ويلهمكم ذكره ، فيذكركم بذكره إياكم ، فتذكرونه به أو بكم ، فيذكركم بكم وبه ـ الوجه الثالث ـ لما وصل الرسول صلىاللهعليهوسلم في عروجه إلى المقام الذي لا يتعداه البراق وليس في قوته أن يتعداه ، تدلى إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم الرفرف ، فنزل عن البراق واستوى على الرفرف ، وصعد به الرفرف وفارقه جبريل ، فسأله الصحبة فقال : إنه لا يطيق ذلك ؛ وقال له : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) ولما وصل المعراج الرفرفي بالرسول صلىاللهعليهوسلم إلى مقامه الذي لا يتعداه الرفرف ، زجّ به في النور زجة غمره النور من جميع نواحيه ، ولم ير معه أحدا يأنس به ولا يركن إليه ، وقد أعطته المعرفة أنه لا يصح الأنس إلا بالمناسب ، ولا مناسبة بين الله وعبده ، فأعطته صلىاللهعليهوسلم هذه المعرفة الوحشة لانفراده بنفسه ، وهذا مما يدلك أن الإسراء كان بجسمه صلىاللهعليهوسلم ، لأن الأرواح لا تتصف بالوحشة ولا الاستيحاش ، فلما علم الله منه ذلك وكيف لا يعلمه وهو الذي خلقه في نفسه؟! وطلب عليهالسلام الدنو بقوة المقام الذي هو فيه ، فنودي بصوت يشبه صوت أبي بكر ، تأنيسا له إذ كان أنيسه في المعه د ، فحنّ لذلك وأنس به ، وتعجب من ذلك اللسان في ذلك الموطن ، وكيف جاءه من العلو وقد تركه بالأرض؟ وقيل له في ذلك النداء : [يا محمد قف ، إن ربك يصلي] فأخذه لهذا الخطاب انزعاج وتعجب ، كيف تنسب الصلاة إلى الله تعالى فتلا عليه في ذلك المقام (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) فعلم ما المراد بنسبة الصلاة إلى الله ، فسكن روعه مع كونه سبحانه لا يشغله شأن عن شأن ، ولكن قد وصف نفسه بأنه لا يفعل أمرا حتى يفرغ من أمر آخر فقال : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) فمن هذه الحقيقة قيل له : [قف إن ربك يصلي] أي لا يجمع بين شغلين ، يريد بذلك العناية بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، حيث يقيمه في مقام التفرغ له ، فهو تنبيه على العناية به ، والله أجل وأعلى في نفوس العارفين به من ذلك ، فإن الذي ينال الإنسان من المتفرغ إليه أعظم وأمكن من الذي يناله ممن ليس له حال التفرغ إليه ، لأن تلك الأمور تجذبه عنه ، فهذا في حال النبي عليهالسلام وتشريفه ، فكان معه في هذا المقام بمنزلة ملك استدعى بعض عبيده ليقربه ويشرفه ، فلما دخل حضرته وقعد في منزلته طلب أن ينظر إلى