وليس في الحضرات من يعطي التنبيه على أن الحق معنا بذاته في قوله : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) إلا هذا الاسم الرقيب وهذه الحضرة ، لأنه على الحقيقة من الرقبى ، والرقبى أن تملك رقبة الشيء بخلاف العمرى ، فإذا ملكت رقبة الشيء تبعته صفاته كلها وما ينسب إليه ، والرقيب اسم فاعل (عَلى كُلِّ شَيْءٍ) وهو المرقب عليه ، فإنه المشهود لكل شيء ، فيرقب العبد في جميع حركاته وسكناته ، ويرقبه العبد في جميع آثاره في قلبه وخواطره وحركاته وحركات ما خرج عنه من العالم ، فأسعد العبيد من يراقب سيده مراقبة سيده إياه ، فيراقب الحق مراقبة عبده لمن يراقب ، فيكون معه بحيث يرى منه ، ومن ملك المراقبة كان له التصرف كيف شاء في المراقب ، فإن الله مع عبده حيث كان ، فالعبد وإن كان مقيدا بالشرع ، فإن الشرع قد جعله مسرّح العين في تصرفه ، ويحمده الميزان ويذمه ، والمراقب معه أينما كان من محمود ومذموم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً) (٥٣)
(وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) وذلك ليس من صفات الخلق ، من لا يكون إلا ما يريد لا يستحي من العبيد ، فإن استحى في حال ما ، فلطلب الاسم المسمى.
(إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٥٤) لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي