(قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) (٣٠)
لما كان عيسى عليهالسلام قد آتاه الله الحكم صبيا وهو رضيع في المهد ، فقد أيده ببيان ذلك ، فنطق عليهالسلام في المهد بالإقرار والجحد ، وبدأ عليهالسلام في نطقه بالعبودية ، فقال لقومه في براءة أمه لما علم من نور النبوة التي في استعداده أنه لا بد أن يقال فيه إنه ابن الله ، فقال عن نفسه إخبارا بحاله مع الله (إِنِّي عَبْدُ اللهِ) فبدأ في أول تعريفه وشهادته في الحال الذي لا ينطق مثله في العادة ، فما أنا ابن لأحد ، فأمي طاهرة بتول ، ولست بابن لله ، كما أنه لا يقبل الصاحبة لا يقبل الولد ، ولكني عبد الله مثلكم ، فحكم على نفسه بالعبودية لله ، وما قال ابن فلان لأنه لم يكن ثمّ (آتانِيَ الْكِتابَ) فحصل له إنجيله قبل بعثه ، فكان على بينة من ربه ، فحكم بأنه مالك كتابه الإلهي (وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) فنطق بنبوته في وقتها عنده وفي غير وقتها عند الحاضرين ، لأنه لا بد له في وقت رسالته أن يعلم بنبوته كما جرت عادة الله في الأنبياء قبله ، وحكم بأن النبوة بالجعل لئلا يتخيل أن ذلك بالذات ، بل هو اختصاص إلهي.
(وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) (٣١)
فلما أبان عن أنه أوتى مقام الإمامة مع تسميته صبيا ، قال (وَجَعَلَنِي مُبارَكاً) أي محلا وعلامة على زيادات الخير عندكم ، وخصني بزيادة لم تحصل لغيري ، وتلك الزيادة ختمه للولاية ، ونزوله في آخر الزمان وحكمه بشرع محمد صلىاللهعليهوسلم حتى يكون يوم القيامة ممن يرى ربه الرؤية المحمدية في الصورة الإلهية (أَيْنَ ما كُنْتُ) في المهد وغيره ، ويعني في كل حال من الأحوال ، ما تختص البركة بسببي فيكم في حال دون حال من دنيا وآخرة ، فإنه ذو حشرين يحشر في صف الرسل ويحشر معنا في أتباع محمد صلىاللهعليهوسلم (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ) المفروضة في أمة محمد صلىاللهعليهوسلم أن أقيمها ، لأنه جاء بالألف واللام فيها (وَالزَّكاةِ) أيضا كذلك ، وأراد بالوصية بالصلاة والزكاة العبادة ، كما تدل على العمل هي على العبادة أدل ، لأنها تفتقر في كونها عبادة إلى بيان ، وإذا أريد بها العمل احتيج إلى تعيين ذلك العمل وبيان صورته ، حتى يقيم نشأته هذا المكلّف به (ما دُمْتُ حَيًّا) زمان التكليف وهو الحياة الدنيا ،