القائل : إن الصفة كونه ، فقال تعالى : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) فأوقف العالم في مقام الجهل والعجز والحيرة ، ليعرف العارفون ما طلب منهم من العلم به ، وما لا يمكن أن يعلم ، فيتأدبون ولا يتجاوزون مقاديرهم ، كما قالت اليهود في الخبر النبوي المشهور : من كون الحق يضع الأرض يوم القيامة على أصبع والسموات على أصبع ـ الحديث ـ فقرأ النبي صلىاللهعليهوسلم (ما قدروا الله حق قدره) فصاحب علم النظر الواقف مع عقله ، المتحكم على الحق بدليله ، هيهات أن يدرك الألوهية ، وأين الألوهية من الكون؟! وأين المحدث من حضرة العين؟! كيف يدرك من له شبه من لا شبه له؟ للعقل عقل مثله ، وليس للحق حق مثله ، محال وجود ذاتين وإلهين ، لا يشبه شيئا ، ولا يتقيد بشيء ، ولا يحكم عليه شيء ، بل ما يضاف إليه إلا بقدر ما تمس حاجة الممكن المقيّد إليه ، فالعقل ما عرفه ، كيف يلتمس بأمر هو خلقه عاجزا فقيرا مستمدا؟ تعالى الله عن إدراك المدركين علوا كبيرا (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) فلا يطلب بالعقول ، ما لا يصح إليه الوصول ـ الوجه الثاني ـ اعلم أن عين العبد لا تستحق شيئا من حيث عينه ، لأنه ليس بحق أصلا ، والحق هو الذي يستحق ما يستحق ، فجميع الأسماء التي في العالم ويتخيل أنها حق للعبد حق لله ، فالاستحقاق بجميع الأسماء الواقعة في الكون الظاهرة الحكم إنما يستحقها الحق ، والعبد يتخلق بها ، وليس للعبد سوى عينه ، ولا يقال في الشيء : إنه يستحق عينه ، فإن عينه هويته ، فلا حق ولا استحقاق ، وكل ما عرض أو وقع عليه اسم من الأسماء إنما وقع على الأعيان من كونها مظاهر ، فما وقع اسم إلا على وجود الحق في الأعيان ، والأعيان على أصلها لا استحقاق لها ، فالوجود لله وما يوصف به من أية صفة كانت إنما المسمى بها هو مسمى الله ، فهو المسمى بكل اسم والموصوف بكل صفة والمنعوت بكل نعت ، ولذلك قال : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) من أن يكون له شريك في الأسماء كلها ، فالكل أسماء الله ، أسماء أفعاله أو صفاته أو ذاته ، فما في الوجود إلا الله ، والأعيان معدومة في عين ما ظهر فيها ، فالصفات لله حقيقة جهلنا معناها بالنسبة إليه ، وعرفنا معناها بالنسبة إلينا ، من وجه معرفتنا بمعناها إذا نسبت إلينا ، ومن كون الباري اتصف بها على طريقة مجهولة عندنا ، فلا نعرف كيف ننسبها إليه لجهلنا بذاته ، فتكون أصلا فيه عارضة فينا ، فلا نستحق شيئا لا