أحواله يتلو المحفوظ عنده من القرآن ، فيجد في كل تلاوة معنى لم يجده في التلاوة الأولى ، والحروف المتلوة هي بعينها ما زاد فيها شيء ، ولا نقص ، وإنما الموطن والحال تجدد ، ولا بد من تجدده ، فإن زمان التلاوة الأولى ما هو زمان التلاوة الثانية ، فالحكماء على الحقيقة هم أهل الله الرسل والأنبياء والأولياء ، لا الحكماء باللقب ، إلا أن الحكماء باللقب أقرب إلى العلم من غيرهم.
(وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (٢٢) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (٢٣) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ) (٢٤)
(وَقَلِيلٌ ما هُمْ) ـ الوجه الأول ـ يقول : ما هم قليل ، يعني كثير ، أي الذين آمنوا وعملوا الصالحات وهو قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) ـ الوجه الثاني ـ [ما] من وجه قد تكون زائدة ، فيكون القليل هم من آمن بالله ، فإن الموحدين هم الذين وحدوا الله بالله ، وأما الموحدون الذين وحدوا الله لا بالله بل بأنفسهم فهم الذين أشركوا في توحيده ، قال تعالى : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) ومن رحمة الله بخلقه أن خلق الظن فيهم وجعله من بعض وزعة الوهم ، والله ما يوجد إلا عند ظن العبد به فليظن به خيرا ، ولو لا الظن ما عصى الله مخلوق أبدا ، قال تعالى : (وَظَنَّ داوُدُ) والظن هنا على