كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٣٧) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٨) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٣٩)
إن الله يظهر الموت وإن كان نسبة يوم القيامة في صورة كبش أملح ، وينادي يا أهل الجنة فيشرئبون ، وينادي يا أهل النار فيشرئبون ، وليس في النار في ذلك الوقت إلا أهلها الذين هم أهلها ، فيقال للفريقين أتعرفون هذا؟ ـ وهو بين الجنة والنار ـ فيقولون : هو الموت ، ويأتي يحيى عليهالسلام وبيده الشفرة فيضجعه ويذبحه ، وينادي مناد : يا أهل الجنة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت ، وذلك هو يوم الحسرة ، فأما أهل الجنة إذا رأوا الموت سروا برؤيته سرورا عظيما ، ويقولون له بارك الله لنا فيك ، لقد خلصتنا من نكد الدنيا وكنت خير وارد علينا ، وخير تحفة أهداها الحق إلينا ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : [الموت تحفة المؤمن] وأما أهل النار إذا أبصروه يفرقون منه ويقولون له : لقد كنت شر وارد علينا ، حلت بيننا وبين ما كنا فيه من الخير والدعة ، ثم يقولون له : عسى تميتنا فنستريح مما نحن فيه ، فذبح الموت أعظم حسرة ، وذبحه لتنقطع الكرّة ، وإنما سمي يوم الحسرة ، لأنه حسر للجميع أي ظهر عن صفة الخلود الدائم للطائفتين ، ثم تغلق أبواب النار غلقا لا فتح بعده ، وتنطبق النار على أهلها ويدخل بعضها في بعض ليعظم انضغاط أهلها فيها ، ويرجع أسفلها أعلاها وأعلاها أسفلها ، وترى الشياطين والناس فيها كقطع اللحم في القدر إذا كان تحتها النار العظيمة ، تغلي كغلي الحميم ، فتدور بمن فيها علوا وسفلا ، كلما خبت زدناهم سعيرا بتبديل الجلود ، وقد يكون يوم الحسرة يوم القيامة يوم يقول الشقي : يا حسرتا على ما فرطت ، فهو يوم الحسرة أي يوم الكشف لإظهاره ما كان يخفى ويبطن ، لأنه من حسرت الثوب عني فظهر ما تحته أي أزلته ، أو من حسرت عن الشيء إذا كشفت عنه ، فكأنه يقول : يا ليتني حسرت عن هذا الأمر في الدنيا فأكون على بصيرة من أمري ، فإن أحدا لا يؤاخذه على ما جناه سوى ما جناه ، فهو الذي آخذ نفسه فلا يلو من إلا نفسه ، ومن أحوال ذلك اليوم أن المؤمن الذي لا علم له وهو من أهل الجنة ، يرى منازل العلماء