(أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨) كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٢٩)
يقول الله في حق ما أنزل من القرآن إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يخاطب به ثلاث طبقات من الناس ، فهو في حق طائفة (بلاغ) يسمعون حروفه إيمانا بها أنها من عند الله لا يعرفون غير ذلك ـ سورة إبراهيم آية ٥٢ ـ وطائفة تلاه عليها (لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ) أي يتفكروا فيها وفي معاني القرآن ، حتى يعلموا أن الآتي بها لم يأت بها من نفسه ، بل هي من عند مرسله سبحانه ، وتدبر القرآن من كونه قرآنا وفرقانا ، فللقرآن موطن ، وللفرقان موطن ، فقم في كل موطن باستحقاقه تحمدك المواطن ، والمواطن شهداء عدل عند الله ، فإنها لا تشهد إلا بصدق ، وطائفة ثالثة قال فيها (وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) أرباب العقول ما كانوا قد علموه قبل ، فإن التذكر لا يكون إلا عن علم غفل عنه أو نسيان من عاقل ، أي ما جاؤوا بما تحيله الأدلة الغامض إدراكها ، فإنها لب الدلالات ، فينتبهون من نوم غفلتهم ويتذكرون بعقولهم ما كانوا قد نسوه ، وهذا يدلك على أنهم كانوا على علم متقدم في شيئية الثبوت وأخذ العهد ، فمن باب الإشارة سمي هذا الجنس بالناس ، اسم فاعل من النسيان معرفا بالألف واللام ، لأنه نسي أن الحق سمعه وبصره وجميع قواه في حال كونه كله نورا ، وهو المقام الذي سأله رسول الله صلىاللهعليهوسلم من ربه أن يقيم فيه أبدا ، فقال : [واجعلني نورا] فإن الله من أسمائه النور ، بل هو النور ، للحديث الثابت [نور أنّى أراه] فلما لم يتذكر الناسي هذه الحال ، وهو في نفسه عليها غافل عنها ، خاطبه الحق مذكرا له بها في القرآن الذي تعبده بتلاوته (لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) ما كانوا قد نسوه.
(وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (٣٠)
سليمان هبة الله تعالى لداود ، والهبة عطاء الواهب بطريق الإنعام ، لا بطريق الوفاق أو الاستحقاق ، فهو النعمة السابغة ، والحجة البالغة ، والضربة الدامغة.