كل أحد منك ، فإنه لو كان هوى غيره نهي أن يتبعه ، فاتبعه ، فما يتبعه إلا بهوى نفسه ، فطاوع نفسه في ذلك ، فلذلك تعين أنه أراد بالهوى نفسه لا غيره ، وهو أن يأمره بمخالفة ما أمره الله به أن يفعله أو ينهاه عنه ، فقوله تعالى : (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى) يعني محابك ، بل اتبع محابي وهو الحكم بما رسمته لك ، فشغله ذلك الحذر عن الفرح بما حصل له من تعيين الله له باسمه ، ولكن حصل له الفرح وأخذ حظه منه قبل أن يصل إليه زمان (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) لا عن الله ، فأمره بمراقبة سبيل الله ، وهو ما شرعه لدار القرار التي هي محل سعادتك ، فكان قوله تعالى لخليفته داود عليهالسلام : (فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) وهو ما شرعه الله لك على الخصوص ، فإن الله تعالى يقول : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) والهوى يحيرك ويتلفك ، ويعمّي عليك السبيل الذي شرعته لك وطلبت منك المشي عليه ، وهو الحكم به ، فالهوى هنا محاب الإنسان ، فأمره الحق بترك محابه إذا وافق غير الطريق المشروعة له ، لأن الهوى يهوي بمتبعه عن درجة الخلافة التي أهّلت لها وأهّلت لك ، فالرجل هو الذي رأى الحق حقا فاتبعه ، وحكم الهوى وقمعه ، (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) وهو ما شرعه لعباده في كتبه وعلى ألسنة رسله ، والضلال عن سبيل الله اتباع الهوى (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) يحتمل والله أعلم يوم الدنيا ، حيث لم يحاسبوا نفوسهم فيه ، فإن النسيان الترك ، يقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا] فإن يوم الدنيا أيضا هو يوم الدين ، أي يوم الجزاء لما فيه من إقامة الحدود ، ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ، ولم يقل تعالى لداود عليهالسلام : فإنك إن ضللت عن سبيل الله لك عذاب شديد ؛ فتلطف به في الخطاب ثانيا.
(وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) (٢٧)
(وَما خَلَقْنَا) أي قدّرنا (السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) فما هي عبث فإن الخالق حكيم ، فإذا قدرها فما تكون عبثا ولا باطلا ، فإن ذلك لحكمة فيها يعلمها من علّمه الله ، لذلك قال : (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ).