من تأييد هذه الفتنة ، قول النبي صلىاللهعليهوسلم يحكيه عن ربه : إن العبد إذا تقرب إلى الله بالنوافل أحبه ، فإذا أحبه كان سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ، وذكر اليد والرجل ـ الحديث ـ وإذا علم العبد أنه بهذه المثابة يسمع بالحق ويبصر بالحق ويبطش بالحق ويسعى بالحق لا بنفسه ، وبقي مع هذا النعت الإلهي عبدا محضا فقيرا ، ويكون شهوده من الحق وهو بهذه المثابة ، كون الحق ينزل إلى عباده بالفرح بتوبتهم ، والتبشيش لمن يأتي إلى بيته ، والتعجب من الشاب الذي قمع هواه ، واتصافه بالجوع نيابة عن جوع عبده ، وبالظمأ نيابة عن ظمأ عبده ، وبالمرض نيابة عن مرض عبده ، مع علمه بما تقتضيه عزة ربوبيته وكبريائه في ألوهيته ، فما أثر هذا النزول في جبروته الأعظم ولا في كبريائه الأنزه الأقدم ، كذلك العبد إذا أقامه الحق نائبا فيما ينبغي للرب تعالى يقول العبد : ومن كمال الصورة التي قال إنه خلقني عليها أن لا يغيب عني مقام إمكاني ، ومنزلة عبوديتي ، وصفة فقري وحاجتي ، كما كان الحق في حال نزوله إلى صفتنا حاضرا في كبريائه وعظمته ، فيكون الحق مع العبد إذا وفّى بهذه الصفة ، يثني عليه بأنه نعم العبد إنه أواب ، حيث لم يؤثر فيه هذه الولاية الإلهية ولا أخرجته عن فقره واضطراره ؛ ومن تجاوز حدّه في التقريب انعكس إلى الضد ، وهو البعد من الله والمقت ، فاحذر نفسك فإن الفتنة بالاتساع أعظم من الفتنة بالحرج والضيق ، فإن كنت صاحب غرض ، وتحس بمرض وألم فاحبس نفسك عن الشكوى لغير من آلمك بحكمه عليك ، كما فعل أيوب عليهالسلام ، وهو الأدب الإلهي الذي علمه أنبياءه ورسله ، فإنه ما آلمك وحكم عليك بخلاف غرضك إلا لتسأله في رفع ذلك عنك ، فإن من لم يشك إلى الله مع الإحساس بالبلاء وعدم موافقة الغرض فقد قاوم القهر الإلهي ، فالأدب كل الأدب في الشكوى إلى الله في رفعه لا إلى غيره ، ويبقى عليه اسم الصبر كما قال تعالى في رسوله أيوب عليهالسلام (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً) في وقت الاضطراب والركون إلى الأسباب ، فلم يضطرب ولا ركن إلى شيء غير الله ، إلا إلينا ، لا إلى سبب من الأسباب. فإنه لا بد طبعا عند الإحساس من الاضطراب وتغير المزاج ، بخلاف الآلام النفسية إذا وردت الأمور التي من شأنها أن تتألم النفوس عند ورودها ، فقد يتلقاها بعض العباد ولا أثر لها فيه على ظاهره ، والأمور المؤلمة إذا أحسّ بها تحرك لها طبعا ، إلا إن شغله عنها أمر يزيل إحساسه ، وكلامنا في ذلك مع الإحساس كأيوب وذي النون سلام الله عليهما.