الملوك لا بين الرعايا ، فلما أنزلهم الحق منزلته في الملك ، علمنا أنه لو لا ثمّ مناسبة تقتضيه ما كان هذا ، فإذا المناسبة في أصل الخلقة ، وهي قوله تعالى : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) فهو ولّاه وملّكه وجعله خليفة عنه ، فما كانت الرسل إلا إلى ولاته ، فهذه إشارة إلى أن النفس الناطقة هي المخاطبة من الحق بواسطة الرسول ، ولما كانت صورة الإنسان الأول المخلوق باليدين على الصورة الإلهية الجامعة ، وتوجه عليها الرحمن بنفسه ، ونفخ فيها روحا من أمره ، فحمل الإنسان الأول في تلك النفخة علم الأسماء الإلهية التي لم يحملها صورة العقل أول مخلوق ، فخرج على صورة الحق ، وفيه انته حكم النفس ، إذ لا أكمل من صورة الحق ، فقال تعالى : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ).
(إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (٧٤)
سمى الله إبليس كافرا ، لأنه يستر عن العباد طريق سعادتهم التي جاء بها الشرع في حق كل إنسان بما يقدر عليه من ذلك ، ولم يقل من المشركين ، لأنه يخاف الله رب العالمين ، ويعلم أن الله واحد ـ راجع البقرة آية ٣٤ ـ.
(قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ) (٧٥)
إن الله خلق آدم بيديه على جهة التشريف لقرينة الحال ، حين عرّف بذلك إبليس لما ادعى الشرف على آدم بنشأته ، فما توجهت اليدان إلا على طينة آدم وطبيعته ، فقال تعالى : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) فما أضاف الحق آدم إلى يديه إلا على جهة التشريف والاختصاص على غيره ، والتنويه لتعلم منزلته عند الله ، فإنه لم يجمع سبحانه لشيء مما خلقه من أول موجود إلى آخر مولود وهو الحيوان بين يديه تعالى إلا الإنسان وهذه النشأة البدنية الترابية ، بل خلق كل ما سواها إما عن أمر إلهي ، أو عن يد واحدة ، قال تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فهذا عن أمر إلهي ، وورد في الخبر [إن