(إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) (٤٢)
فهي شهادة بقصور نظره وعقله.
(يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (٤٣) يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا) (٤٤)
فلو علم أن في الرحمة ما يوجب النقمة لما عصاه ، فما عصي إلا الرحمن ، لأن كل اسم يعمل على شاكلته ، فما أعلم الأنبياء بربهم.
(يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا) (٤٥)
فإن قلت : كيف قرن إبراهيم الخليل العذاب بالرحمن هنا والاسم الرحمن لا يقتضيه في الظاهر؟ فاعلم أنه أشار له إلى الاسم الذي هو أبوه معه في الحال ، فإنه الرحمن بلا شك ، لحصول العافية والخير والرزق والصحة الذي هو فيه وعليه ، والمعنى الآخر في مساق هذ الاسم مع العذاب ، مثل رحمة الطبيب بصاحب الأكلة فهو يعذبه في الوقت بقطع العضو الذي فيه الأكلة رحمة به حتى يحيا ، ومن رحمته نصب الحدود في الدنيا لتكون طهارة إلى الأخرى ، وهكذا في كل دار إن نظرت بعين التحقيق والرحمة الإلهية الموضوعة يصحبها في العبد العزة والسلطان ، فهي لا عن شفقة ، والرحمة الطبيعية عنها تكون الشفقة ، ولو لم تصحب الرحمة الإلهية العزة وتتنزه عن الشفقة ما عذب الله أحدا ، فالرحمن لا يعطي ألما موجعا إلا أن يكون في طيه رحمة يستعذبها من قام به ذلك الألم ، كشرب الدواء الذي يتضمن العافية استعماله ، فانظر ما ألطف توصيل الحق بشارته لعباده في حال الشدة والرخاء ، فإنه سبحانه ما اختار كلمة العذاب ليعبر بها عن الآلام إلا لما يؤول إليه أمر أصحابه فيستعذبه في آخر الحال ، ولذلك سماه عذابا ، وإنما يستعذبه في آخر الأمر لكونه ذكّره بربه ، فإن الإنسان إذا أصابه الضر وانقطعت به الأسباب ـ وهو أشد العذاب ـ ذكر ربه فرجع إليه مضطرا لا مختارا ، فيستعذب عند ذلك الأمر الذي رده إلى الله وذكّره به وأخرجه عن حكم