من قبيل الممكنات من حيث لا يشعر ، فإن قلت : فما فائدة إخبار الله تعالى «لو أراد أن يتخذ ولدا» فعلق الإرادة بالمحال لنفسه؟ فكيف أدخله تحت نفي تعلق الإرادة التي لا يدخل تحتها إلا الممكن ، وهو الذي أشار إليه هذا الذي جهلناه وخطأناه في قوله؟ فاعلم أن هذا من غاية الكرم الإلهي ، حيث أنه قد سبق في علمه إيجاد مثل هذا الشخص من فساد العقل الذي قد قضى به له في قسمه ، فلما قضى بهذا ، علم أن عقله لا بد أن يعتقد مثل هذا ، وهو غاية الجهل بالله ، فأخبر الله تعالى بنفي تعلق الإرادة بالمحال الوقوع لنفسه ، فيأخذ الكامل العقل من ذلك نفي تعلق الإرادة بما لا يصح أن تتعلق به ، ويأخذ منه هذا الضعيف العقل أنه سبحانه لو لا ما قال : لو ، وإلا كان يفعل ، فيستريح إلى ذلك ولا ينكسر قلبه ، حيث أراد نفوذ الاقتدار الإلهي وقصد خيرا ، وليعلم الكامل العقل ما فضله الله به عليه فيزيد شكرا ، حيث لم يجعل الله عقله مثل هذا الناقص العقل ، فيعلم أن الله قد فضله عليه بدرجة لم ينلها من قصر عقله هذا القصور ، ولذلك قالت جماعة : إن الله يقدر على المحال ، والذي ينبغي أن يقال : إن الله على كل شيء قدير ، كما قال الله ، والقدرة تطلب محلها الذي تتعلق به ، فالعالم العاقل يعلم متعلق كل نسبة فيضيفها إليها.
(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) (٥)
لما كان زمان الليل والنهار دوريا ، لهذا قال تعالى : (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ) من كوّر العمامة ، فيخفي كل واحد منهما بظهور الآخر ، فالتكوير بتسخير الأنوار ، وتحريك الأكوار بضروب الأدوار ، واختلاف الأحوال والأطوار ، على عالم الانشقاق والانفطار ، لإيجاد الإنسان الذي خلقه في أحسن تقويم ، لذلك قال تعالى.
(خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ