طلبه ، ولكن يعطيك العلم العمل بأمور أخر توجه عليك بها خطاب الشارع ، كما أن العلم لم يصح طلبه إلا بالعلم ، فمن حصل له العلم بالأحكام التي يحتاج إليها في مقامه ، فلا يكثر مما لا يحتاج إليه ، فإن التكثير مما لا حاجة فيه سبب في تضييع الوقت عما هو أهم ، وذلك أنه من لم يعوّل أن يلقي نفسه في درجة الفتيا في الدين ـ لأن في البلد من ينوب عنه في ذلك ـ حتى لا يتعين عليه طلب الأحكام كلها في حق الغير ، طلب فضول العلم ؛ فيأخذ منها ما توجه عليه في الوقت من علم تكليف ذلك الوقت ، والعلم الذي يعم كل إنسان في الحال عند البلوغ على أحد أنواعه وشروطه من الإسلام وسلامة العقل ، علم العقائد بواضحات الأدلة وإن كانت فطرته تعطي النظر والنجح فيه ، ومن لم يكن ذلك في فطرته ـ وكان جامدا ـ يخاف عليه إن فتح له باب النظر لإيراد شبهات الملحدة ، فمثل هذا يعطى العقائد تقليدا مسلمة ، ويزجر عن النظر إن أراده في ذلك العلم بأشد الزجر ، فإذا صحت عقيدته بالعلم أو التقليد ، يعرّف بقواعد الإسلام ، فإذا عرّف ترتب عليه أن يعرف أوقات العبادات ، فإذا دخل وقت الصلاة مثلا تعين عليه أن يعرف الطهارة وما تيسر من القرآن ، ثم يعلم الصلاة ، لا يحتاج إلى غير هذا ، فإذا أدركه رمضان وجب عليه أن ينظر في علم الصيام ، فإن أخذه الحج وجب عليه حينئذ علمه ، فإن كان له مال وحال عليه الحول تعين عليه علم زكاة ذلك الصنف من المال لا غير ، فإن باع واشترى وجب عليه علم البيوع والمصارفة ، وهكذا سائر الأحكام لا تجب عليه إلا عند ما يتعلق به الخطاب ، فذلك وقت الحاجة إليها ، فإن قيل : يضيق الوقت عن نيل علم ما خوطب به في ذلك الوقت ، قلنا : لسنا نريد عند حلول الوقت المعيّن ، وإنما نريد بقربه بحيث أن يكون له من الزمان قدر ما يحصل ذلك العلم المخاطب به ، ويدخل عقيبه وقت العمل ، وهكذا ينبغي أن تقرأ العلوم وتنظر المعارف ، ويربط الإنسان نفسه بما فيه سعادته ونجاته ، وليعمر أوقاته بما هو أولى به ، وليحذر العبد أن تفتح له خزائن الغفلات تصرفه في المباحات ، وليملأها بالذكر وأشباه المندوبات ، وهذا لا يصح له ما لم يعرف الواجبات حتى يسرع إليها ويؤديها ، والمحظورات حتى يجتنبها ، والمندوبات حتى يرغب فيها والمكروهات حتى يحفظ نفسه منها ، والمباحات حتى يتعوذ بالله من الغفلة ، وتحقيق هذه المعاني التي هي أم الأحكام أصول الفقه ، ويعرف أيضا ما تحت كل واحد منها على التشخيص مما يلزمه كما تقدم ، ومعرفة هذا من كتاب الله