صلىاللهعليهوسلم : [العلماء ورثة الأنبياء] واعلم أن حد العلم وحقيقته المطلقة معرفة الشيء على ما هو عليه ، والمفيدة العمل به ، وهو الذي يعطيك السعادة الأبدية ، ولا تخالف فيه ، وكل من ادعى علما من غير عمل به ، فدعواه كاذبة إن تعلق به خطاب للعمل ، وإذا تحقق ما أردناه وما أشرنا إليه ، فليقل من شاء ما شاء ، وكل حجة تناقض ما أشرنا إليه فداحضة ، وعلى قائلها توبة من الله ومغفرة ، والله غفور رحيم. واعلم أن العلم نور من أنوار الله تعالى يقذفه في قلب من أراده من عباده ، قال تعالى (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) وهو العلم ، وهو معنى قائم بنفس العبد ، يطلعه على حقائق الأشياء ، وهو للبصيرة كنور الشمس للبصر مثلا ، بل أتم وأشرف ، وأجناس العلوم كثيرة : منها علم النظر وعلم الخبر وعلم النبات وعلم الحيوان وعلم الرصد إلى غير ذلك من العلوم ، ولكل جنس من هذه العلوم وأمثالها فصول تقومها وفصول تقسمها ، فلننظر ما نحتاج إليه في أنفسنا مما تقترن به سعادتنا ، فنأخذه ونشتغل به ، ونترك ما لا نحتاج إليه احتياجا ضروريا ، مخافة فوت الوقت ، حتى تكون الأوقات لنا إن شاء الله تعالى ، والذي نحتاج إليه من فصول هذه الأجناس فصلان : فصل يدخل تحت جنس النظر وهو علم الكلام ، ونوع آخر يدخل تحت جنس الخبر وهو الشرع ، والمعلومات الداخلة تحت هذين النوعين التي نحتاج إليها في تحصيل السعادة ثمانية : وهي الواجب والجائز والمستحيل والذات والصفات والأفعال وعلم السعادة وعلم الشقاوة ، فهذه الثمانية واجب طلبها على كل طالب نجاة نفسه ، وعلم السعادة والشقاوة موقوف على معرفة ثمانية أشياء أيضا ، منها خمسة أحكام : وهي الواجب والمحظور والمندوب والمكروه والمباح ، وأصول هذه الأحكام ثلاثة لا بد من معرفتها : الكتاب والسنة المتواترة والإجماع ، ومعرفة هذه الأشياء لا بد منها ، والناس في تحصيلها على مرتبتين : عالم ومقلد لعالم ، فإذا علمها الطالب وصح نظره فيها توجهت عليه وظائف التكليف ، فاختصت من الإنسان بثمانية أعضاء : العين والأذن واللسان واليد والبطن والفرج والرجل والقلب ، والعلم بتكليفات هذه الأعضاء هو العلم بالأعمال القائدة إلى السعادة إذا عمل بها ، ولما كان أصل السعادة موافقتنا للحق تعالى فيما أمر به ونهى ، وموافقته التوحيد في باطن العبد بنفي الأغيار ، فإن أول ما يجب عليك ـ إن رزقت الموافقة والتوفيق ـ العلم بالأمور التي مهدناها ، فإذا علمتها توجه عليك العمل بها ، وإن كان طالب العلم في عمل من حيث