أشرف من بعض ، فكثير بين من قام به العلم بأوصاف الحق تعالى وأفعاله ، وبين من قام به العلم بأن زيدا في الدار وخالدا في السوق ، فكما أنه ليس بين المعلومين مناسبة في الشرف ، كذلك العلمان ، فهذا هو الشرف الطارىء على العلم من المعلوم ، ثم إن الله سبحانه وتعالى مدح من قامت به صفة العلم وأثنى عليه ، ووصف بها عباده كما وصف نفسه في غير موضع من الكتاب العزيز ، كقوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ) فأخبر تعالى أن العلماء هم الموحدون على الحقيقة ، والتوحيد أشرف مقام ينته إليه ، وليس وراءه مقام إلا التشبيه والتعطيل ، فمن زلّت قدمه عن صراط التوحيد رسما أو حالا وقع في الشرك ، فمن زلت قدمه في الرسمي فهو مؤبد الشقاء لا يخرج من النار أبدا ، لا بشفاعة ولا بغيرها ، ومن زلت قدمه في الحالي فهو صاحب غفلة ، يمحوها الذكر وما شاكله ، فإن الأصل باق يرجى أن يجبر فرعه ، بمنّ الله وعنايته ، وليس الفرع كذلك ، وكقوله أيضا جل ثناؤه في صاحب موسى عليهالسلام (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) وهو علم الإلهام ، فالعالم أيضا صاحب إلهام وأسرار ، وكقوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) فالعالم صاحب الخشية ، وكقوله تعالى : (وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) فالعالم أيضا صاحب الفهم عن الله العالم بحكم آيات الله وتفاصيلها ، وكقوله تعالى : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) فالعالم هو الراسخ الثابت الذي لا تزيله الشبه ولا تزلزله الشكوك ، لتحققه بما شاهده من الحقائق بالعلم ، وكقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ) فالعلماء هم الذين علموا الكائنات قبل وجودها ، وأخبروا بها قبل حصول أعيانها ، وهي الصفة الشريفة التي أمر الله تعالى نبيه محمدا صلىاللهعليهوسلم بالزيادة منها ، فقال تعالى : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) ولم يقل له ذلك في غيره من الصفات ، وإنما أكثرنا هذا في العلم ، لأن في زماننا قوما لا يحصى عددهم ، غلب عليهم الجهل بمقام العلم ، ولعبت بهم الأهواء حتى قالوا : إن العلم حجاب ؛ ولقد صدقوا في ذلك لو اعتقدوه ، أي والله حجاب عظيم ، يحجب القلب عن الغفلة والجهل وأضداده ، فما أشرفها من صفة ، حبانا الله بالحظ الوافر منها ، وكيف لا يفرح بهذه الصفة ويهجر من أجلها الكونان ، ولها شرفان كبيران عظيمان؟ الشرف الواحد أن الله سبحانه وصف بها نفسه ، والشرف الآخر أنه مدح بها أهل خاصته من أنبيائه وملائكته ، ثم منّ علينا سبحانه ولم يزل مانّا بأن جعلنا ورثة أنبيائه فيها ، فقال