الخاصة ، تكن ممن جمع له القرآن فاجتمع عليه ، وتكن من الذين هداهم الله (أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ) أي وفقهم بما أعطاهم من البيان إلى معرفة الحسن والأحسن ، وبيّن لهم الحسن من ذلك من القبيح ، فشهد لهم الوهاب (وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) بما حفظهم من الاستمداد لبقاء نوره ، فعقلوا ما أردنا ، وهو من لب الشيء المصون بالقشر ، فيعني بأولي الألباب المستخرجين لبّ الأمر المستور بالقشر صيانة له ، فإن العين لا تقع إلا على الحجاب ، والمحجوب لأولي الألباب ، فهم الغواصون على خفايا الأمور وحقائقها ، المستخرجون كنوزها ، والحالّون عقودها ورموزها ، والعالمون بما تقع به الإشارات في الموضع الذي لا تسمح فيه العبارات ، فحسن القول يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ، ويقف بك على المعاني الغامضة فيوضحها لك ، وعلامة من علم أحسن القول الاتباع لما دل عليه ذلك القول ، فيقابل الطول بالطول ، هل جزاء الإحسان إلا الإحسان.
(أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) (١٩)
حقّ وجب وسقط ، يقال : وجب الحائط إذا سقط (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ) أي إذا سقط العذاب على المعذّب به ، وهو الذي آذى الله ورسوله (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) خاطب الحق بذلك أكرم المكلفين عليه فإنه ما يبدل القول لديه ، ولا يكون عنه إلا ما سبق به علمه ، فمشيئته واحدة ، لأنه إذا أسلم فليس من أهل النار.
(لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ (٢٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) (٢١)
اعلم أن الماء ماءان : ماء ملطف مقطر في غاية الصفاء والتخليص وهو ماء الغيث ، فإنه