لا يخطر له خاطر الجزاء عليه من شكر ولا غيره ، فإن اقترن به طلب شكر جزاء فليس بوهب ، فالحق تعالى هو الوهاب على الحقيقة في جميع أنواع عطائه.
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (٥٤) وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (٥٥) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا) (٥٦)
إدريس عليهالسلام كان نبيا ولم يجىء له نص في القرآن برسالته ، بل قيل فيه صديقا نبيا ، فكان عليهالسلام من الأنبياء الذين بعثوا قبل نوح عليهالسلام الذي هو أول رسول أرسل ، ويقال إن إدريس عليهالسلام أول من كتب بالقلم من بني آدم ، فأول إمداد القلم الأعلى له عليهالسلام ، كان قد أسري به إلى أن بلغ السماء السابعة فصارت السموات كلها في حوزته ، ولما علم إدريس عليهالسلام بالعلم الذي أوحاه الله إليه أن الله تعالى قد ربط العالم بعضه ببعضه ، وسخر بعضه لبعضه ، ورأى أن عالم الأركان مخصوص بالمولدات ، رأى اجتماعات الكواكب وافتراقها في المنازل واختلاف الكائنات واختلاف الحركات الفلكية ، ورأى السريعة والبطيئة ، وعرف أنه مهما جعل سيره وسفره مع البطيء أن السريع يدخل تحت حكمه ، فإن الحركة دورية لا خطية ، فلابد أن يرجع عليه دور الصغير السريع ، فيعلم من مجاورة الهبط فائدة المسرع ، فلم ير ذلك إلا في السماء السابعة ، فأقام عندها ثلاثين سنة يدور معها في نطع فلك البروج في مركز تدوير وكيلها ، وفي الفلك الحامل لفلك التدوير ، والفلك الحامل لأفلاك التداوير وهو الذي يدور به فلك البروج ، فلما عاين ما أوحى الله في السماء ، وعاين أن الكواكب قريبة الاجتماع في برج السرطان ، فعلم أنه لابد أن يكون الله ينزل ماء عظيما وطوفانا عاما لما تحققه من العلم ، ومشى مع دقائق الفلك فعلم الجمل والتفصيل ، ثم نزل فاختص من أبناء دينه وشرعه. ممن عرف أن فيه ذكاء وفطنة ، فعلّمهم ما شاهد وما أودع الله من الأسرار في هذا العلم ، وأنه من جملة ما أوحى الله في هذه السموات أنه يكون طوفان عظيم ويهلك الناس وينسى العلم ، وأراد بقاء هذا العلم على ما يأتي بعدهم ، فأمر بنقشها في الصخور والأحجار ، وكان عليهالسلام