لأنه أضافهم إليه مع كونهم مسرفين ، على الإطلاق في الإسراف ، ونهاهم أن يقنطوا من رحمة الله ، فهؤلاء العبيد المذكورون ذكرهم الله بالإضافة إليه ، والإضافة إليه تشريف (الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) وما ذكر سرفا من سرف ، فعمّ جميع حالات المسرفين في السرف ، والإسراف خروج عن الحد والمقدار ، فأسرفوا على أنفسهم وتجاوزوا حدود سيدهم ، وجاء بالاسم الناقص الذي يعم كل مسرف مع إضافة العباد إليه ، لأنهم عباده ، وكفى شرفا شرف الإضافة إلى الله تعالى (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) فإن الذي أزاغكم أصبع الرحمن ، فإن قلب العبد بين أصبعي الرحمن يقلبه كيف يشاء ، فإن الله للرحمة خلقكم ولهذا تسمى بالرحمن ، واستوى به على العرش ، وأرسل أكمل الرسل وأجلهم قدرا وأعمهم رسالة رحمة للعالمين ، ورحمة الله وسعت كل شيء ، وأنتم من الأشياء ، فنهاك عن القنوط ، وما نهاك عنه يجب عليك الانتهاء عنه ، ثم أخبر وخبره صدق لا يدخله نسخ ، فإنه لو دخله نسخ لكان كذبا ، والكذب على الله محال ، فقال : (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) وصف الله الذنوب بالمغفرة وهي الستر ، وما وصفها بذهاب العين ليظهر فضل الله وكرمه على عبيده ، فهو يسترها بثوب الحسن الذي يكسوها به ، لأنه تعالى لا يرد ما أوجده إلى عدم ، بل يوجد على الدوام ولا يعدم ، فالقدرة فعالة دائما ، فهو لا يمحو الذنوب بل يبدلها بالحسنى ، فيكسو الذنب حلة الحسن ، وهو هو بعينه ، واعلم أن الذنوب من حكم الاسم الآخر ، لأن ذلك الأمر بمنزلة الذنب من الرأس ، متأخرة عنه ، لأن أصله طاعة ، فإنه ممتثل للتكوين إذ قيل له كن ، فما وجد إلا مطيعا ، ثم عرض له بعد ذلك مخالفة الأمر المسمى ذنبا ، فأشبه الذنب في التأخر ، والعرض لا بقاء له ، وإن كان له حكم في حال وجوده ولكن يزول ، فهذا يدلك على أن المآل إلى السعادة إن شاء الله ، ولو بعد حين ، ثم إن للذنب من معنى الذنب صفتين شريفتين ، إذا علمها الإنسان عرف منزلة الذنب عند الله ، وذلك أن ذنب الدابة له صفتان شريفتان : ستر عورتها ، وبه تطرد الذباب عنها بتحريكها إياه ، وكذلك الذنب فيه عفو الله ومغفرته ، وشبه ذلك مما لا يشعر به ، ممّا يتضمنه من الأسماء الإلهية يطرد عن صاحبه أذى الانتقام والمؤاخذة ، وهما بمنزلة الذباب الذي يؤذي الدابة ، قال تعالى في الحديث القدسي [لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون فيغفر لهم] ولم يقل فيعاقبهم ، فغلّب المغفرة وجعل لها الحكم ، فقال : (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) وما خص