دار النار مسكنه لأنه من أهلها ، وإن حارت عليه أوزار من اتبعه ممن هو من أهل النار ، فما حمل إلا ما هو منقطع بالغ إلى أجل ، وفضل الله لا انقطاع له ، لأنه خارج عن الجزاء الوفاق ، ورحمة الله لا تخص محلا من محل ولا دارا من دار ، بل وسعت كل شيء ، وأكثر من هذا الإفصاح الإلهي في مآل عباده إلى الرحمة ما يكون ، مع عمارة الدارين الجنة وجهنم ، وأن لكل واحد منهما ملأها ، لا يخرجون منها ، فعطاء الله لا مانع له ، وإنما الاسم المانع إنما متعلقه أن نعيم زيد ممنوع عن عمرو ، كما أن نعيم عمرو ممنوع عن زيد ، فهذا حكم المانع لا أنه يمنع شمول الرحمة ، والإيمان يقطع بصدق هذا القول الذي جاء في هذه الآية ، ولكن لا يظهر حكمه مشاهدة عين إلا في المسرفين وهم المذنبون ، فكأنه تعالى قال لهم : اعصوا حتى تعرفوا ذوقا صدق قولي في مغفرتي ؛ وإذا كان أمير المؤمنين المأمون يقول : لو علم الناس حبي في العفو لتقربوا إلي بالجرائم ، وهو مخلوق ، فما ظنك بالكريم المطلق الكرم؟ فثمّ قوم يغفر الله لهم من غير توبة ، وثمّ قوم يعطيهم الله التوبة ، وإياك والدعوى ، فحيث كانت الدعوى كان الاختبار ، ومن وصف نفسه بأمر توجه عليه الاختبار ، وإذا ادعيت فليكن دعواك بحق ، وانتظر البلاء أي الاختبار ، وإن لم تدع فهو أولى بك.
عم بالغفران أصحاب الذنوب |
|
بعد أخذ وابتداء للعموم |
غير أن الأمر قد قسمه |
|
بين سكنى في جنان وجحيم |
وكلا الصنفين في رحمته |
|
في التذاذ دائم فيه مقيم |
زمهرير عند محرور جدى (١) |
|
وحرور عند مقرور نعيم |
ليكون الكل في رحمته |
|
إنه قال هو البر الرحيم |
فقد يكون غفرانه ابتداء ، وبعد أخذ ، وهذا يجب الإيمان به.
(وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (٥٤) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً
__________________
(١) جدى : عطاء.