الضعيفة من التشبيه والتجسيم ، عند ورود الآيات والأخبار التي تعطي من وجه ما من وجوهها ذلك ، ثم قال بعد هذا التنزيه الذي لا يعقله إلا العالمون (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ) عرفنا من وضع اللسان العربي أن يقال : فلان في قبضتي ، يريد أنه تحت حكمي. وإن كان ليس في يدي منه شيء البتة ، ولكن أمري فيه ماض وحكمي عليه قاض ، مثل حكمي على ما ملكته يدي حسا وقبضت عليه ، وكذلك أقول : مالي في قبضتي ، أي في ملكي وأني متمكن في التصرف فيه ، أي لا يمنع نفسه مني ، فإذا صرفته ففي وقت تصرفي فيه ، كان أمكن لي أن أقول : هو في قبضتي ، لتصرفي فيه ، وإن كان عبيدي هم المتصرفون فيه عن إذني ، فلما استحالت الجارحة على الله تعالى ، عدل العقل إلى روح القبضة ومعناها وفائدتها ، وهو ملك ما قبضت عليه في الحال وإن لم يكن لها ، أعني للقابض فيما قبض عليه شيء ، ولكن هو في ملك القبضة قطعا ، فهكذا العالم في قبضة الحق تعالى (وَالْأَرْضُ) في الدار الآخرة تعيين بعض الأملاك ، كما تقول : خادمي في قبضتي ، وإن كان خادمي من جملة من في قبضتي ، فإنما ذكرته اختصاصا لوقوع نازلة «واليمين» عندنا محل التصريف المطلق القوي ، فإن اليسار لا يقوى قوة اليمين ، فكنى باليمين عن التمكن في الطي ، فهي إشارة إلى تمكن القدرة من الفعل ، فوصل إلى إفهام العرب بألفاظ تعرفها وتسرع بالتلقي لها ، قال الشاعر :
إذا ما راية رفعت لمجد |
|
تلقاها عرابة باليمين |
وليس للمجد راية محسوسة ، فلا تتلقاها جارحة يمين ، فكأنه يقول : لو ظهر للمجد راية محسوسة ، لما كان محلها أو حاملها إلا يمين عرابة الأوسي ، أي صفة المجد به قائمة وفيه كاملة ، فلم تزل العرب تطلق ألفاظ الجوارح على ما لا يقبل الجارحة لاشتراك بينهما من طريق المعنى.
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) (٦٨)
لا يزال كلام الله من حين نزوله يتلى حروفا وأصواتا إلى أن يرفع من الصدور ويمحى