كذلك الروح إذا رحل عن الجسم إلى عالمه الذي جاء منه ، تبعته الحياة المنتشرة منه في الجسم الحي ، وبقي الجسم في صورة الجماد في رأى العين ، فيقال : مات فلان ؛ وتقول الحقيقة : رجع إلى أصله (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) كما رجع الروح أيضا إلى أصله حتى البعث والنشور ، ويكون من الروح تجل للجسم بطريق العشق ، فتلتئم أجزاؤه وتتركب أعضاؤه بحياة لطيفة جدا ، تحرك الأعضاء للتأليف ، اكتسبته من التفات الروح ، فإذا استوت البنية وقامت النشأة الترابية ، تجلى له الروح بالرقيقة الإسرافيلية في الصور المحيط ، فتسري الحياة في أعضائه ، فيقوم شخصا سويا كما كان أول مرة (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ).
(وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٦٩)
(وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) ـ الوجه الأول ـ (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) فإما شقي وإما سعيد ـ الوجه الثاني ـ يعني أرض المحشر ، يقول تعالى : ما ثمّ شمس ، وعدم النور ظلمة ، ولا بد من الشهود فلا بد من النور ، وهو يوم يأتي فيه الله للفصل والقضاء ، فلا يأتي إلا في اسمه النور ، فتشرق الأرض بنور ربها ، وتعلم كل نفس بذلك النور ما قدمت وأخرت ، لأنها تجده محضرا ، يكشف لها هذا النور.
(وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ (٧٠) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ) (٧١)
(فُتِحَتْ أَبْوابُها) أبواب جهنم سبعة هي : باب الجحيم ، وباب سقر ، وباب السعير ،