وسرور وآيات قبول ورضى ، فإن الله قرن هذا السجود بآيات الرحمن ، والرحمة لا تقتضي القهر والعظمة ، وإنما تقتضي اللطف والعطف الإلهي ، فدمعت عيونهم فرحا بما بشرهم الله من هذه الآيات ، فالصورة صورة بكاء لجريان الدموع ، والدموع دموع فرح لا دموع ترح وكمد وحزن ، لأن مقام الاسم الرحمن لا يقتضيه.
(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩) إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (٦٠) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) (٦١)
(جَنَّاتِ عَدْنٍ) وهي جنة الإقامة (الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ) والموعد ما وقع عليه الوعد ، وهو مقام اللطف (عِبادَهُ) مقام العبودية بإضافة الاختصاص ، (بِالْغَيْبِ) يريد مقام الإيمان ، وقد يريد بالغيب حالة أوان أخذ الميثاق على النفوس ، فكان غيبا أي في عالم الأمر والملكوت (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) حقا وصدقا.
(لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) (٦٢)
فجعل الجنة محلا للزمان المعروف عند العرب مثل الدنيا ، فإن لأهل الجنة مقادير يعرفون بها انتهاء مدة طلوع الشمس إلى غروبها في الدنيا ، وإن لم يكن في الجنة شمس ، فالحركة ـ التي كانت تسير بالشمس فيظهر من أجلها طلوعها وغروبها ـ موجودة في الفلك الأطلس الذي على الجنة ، وهو سقفها ، والحركة بعينها فيه موجودة ، ولأهل الجنة كشف ورؤية إلى المقادير التي فيه المعبر عنها بالبروج ، فإن ذلك الفلك هو السماء الذي أقسم الله به في قوله (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) فيعلمون بها حدّ ما كان عليهم في الدنيا مما يسمى بكرة وعشيا ، وكان لهم في هذا الزمان في الدنيا حالة تسمى الغداء والعشاء ، فيتذكرونها هنالك ، فيأتيهم الله عند ذلك برزق يرزقهم فيها كما قال (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) وهو رزق خاص في وقت خاص معلوم عندهم ، وما عدا ذلك فأكلهم دائم لا ينقطع ، والدوام في