[شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون وبقي أرحم الراحمين] فيقضي سياق الكلام أن يكون أرحم الراحمين يشفع أيضا ، فلابد ممن يشفع عنده ، وما ثمّ إلا الله ، فيشفع اسمه أرحم الراحمين عند اسمه القهار والشديد العقاب ، لذا يحشر الله المتقين يوم القيامة إلى الرحمن ليكون جليسهم ، فيزول عنهم الاتقاء ويزول عنهم حكم هؤلاء الأسماء الأخر ، فيأمن المتقي سطوة الجبار القهار ، وعلى هذا الأسلوب تأخذ الأسماء الإلهية كلها ، وهكذا تجدها حيث وردت في ألسنة النبوات إذا قصدت حقيقة الاسم وتميزه من غيره ، فإن له دلالتين : دلالة على المسمى به ، ودلالة على حقيقته التي بها يتميز عن اسم آخر.
(وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) (٨٦)
(وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ) وهم الذين استحقوا المقام الذي ساقهم إليه ، والذي ساقهم هو عين الأهواء التي كانوا عليها (إِلى جَهَنَّمَ) وهي البعد (وِرْداً).
(لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٨٧) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (٨٩) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) (٩١)
فانظر إلى القوة الإلهية التي أعطاها الله لمن أنزل عليه الوحي الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ، فإنهم علموا قدر من أنزله ، فرزقهم الله من القوة ما يطيقون به حمل ذلك الجلال ، فإذا سمعوا في الله ما يخالف ما تجلى لهم فيه (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) وقد سمع ذلك أهل الله ورسله ، وما جرى عليهم شيء من ذلك ، لما أعطاهم من قوة العلم ، إذ لا أقوى من العلم ، فعلم أهل الله من رسول ونبي وولي ما لم تعلمه السموات والأرض والجبال من الله ، فأنتج لهم هذا العلم بالله قوة في نفوسهم حملوا بها ما سمعوه من قول من قال : إن المسيح ابن الله ، وإن عزيرا ابن الله ، ولم يتزلزلوا ، ولو نزل ذلك على من ليست له هذه القوة