تعالى ، فيعرف المحقق قطعا أنها مصروفة إلى غير الوجه الذي يعطيك التشبيه والتمثيل ، وأن الحقيقة لا تقبل ذلك أصلا ، ولكن تتفاضل العلماء السالمة عقائدهم من التجسيم ، فتتفاضل العلماء في هذا الصرف عن هذا الوجه الذي لا يليق بالحق تعالى ، فطائفة لم تشبّه ولم تجسم ، وصرفت علم ذلك الذي ورد في كلام الله ورسله إلى الله تعالى ، ولم تدخل لها قدما في باب التأويل ، وقنعت بمجرد الإيمان بما يعلمه الله في هذه الألفاظ والحروف ، من غير تأويل ولا صرف إلى وجه من وجوه التنزيه ، بل قالت لا أدري جملة واحدة ، ولكني أحيل إبقاءه على وجه التشبية ، لقوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) لا لما يعطيه النظر العقلي ، وعلى هذا فضلاء المحدثين من أهل الظاهر السالمة عقائدهم من التشبيه والتعطيل ، وطائفة أخرى من المنزهة عدلت بهذه الكلمات عن الوجه الذي لا يليق بالله تعالى في النظر العقلي ، عدلت إلى وجه ما من وجوه التنزيه على التعيين مما يجوز في النظر العقلي أن يتصف به الحق تعالى ، بل هو متصف به ولابد ، وما بقي النظر إلا في هذه الكلمة ، هل المراد بها ذلك الوجه أم لا؟ ولا يقدح ذلك التأويل في ألوهته ، وربما عدلوا إلى وجهين وثلاثة وأكثر على حسب ما تعطيه الكلمة في وضع اللسان ، ولكن من الوجوه المنزهة لا غير ، فإذا لم يعرفوا من ذلك الخبر أو الآية عند التأويل في اللسان إلا وجها واحدا قصروا الخبر أو الآية إلى تلك المصارف ، وقالت طائفة من هؤلاء : يحتمل أن يريد كذا ، ويحتمل أن يريد كذا ، وتعدد وجوه التنزيه ، ثم تقول : والله أعلم أي ذلك أراد ، وطائفة أخرى تقوّى عندها وجه ما من تلك الوجوه النزيهة بقرينة ما ، قطعت لتلك القرينة بذلك الوجه على الخبر وقصرته عليه ، ولم تعرج على باقي الوجوه في ذلك الخبر وإن كانت كلها تقتضي التنزيه ، وطائفة أخرى من المنزهة أيضا وهي العالية ، فرغوا قلوبهم من الفكر والنظر وأخلوها ، إذ كان المتقدمون من الطوائف المتقدمة المتأولة أهل فكر ونظر ، فأشبهت في هذا العقد المحدثين السالمة عقائدهم ، حيث لم ينظروا ولا تأولوا ولا صرفوا ، بل قالوا : ما فهمنا ، فقال هؤلاء بقولهم ثم انتقلوا عن مرتبة أولئك بأن قالوا : لنا أن نسلك طريقة أخرى في فهم هذه الكلمات ، وذلك بأن نفرغ قلوبنا من النظر الفكري ، ونجلس مع الحق تعالى بالذكر على بساط الأدب والمراقبة والحضور والتهيىء لقبول ما يرد علينا منه تعالى ، حتى يكون الحق تعالى يتولى تعليمنا على الكشف والتحقيق ، لما سمعته يقوله (واتقوا الله ويعلمكم الله) ويقول (إن تتقوا الله