يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) أي من صخرة بيت المقدس ، فمن ها هنا قيل لموسى صلىاللهعليهوسلم عند ما سار بأهله وبلغ بيت المقدس وكشف له عن سر ما أودع فيه من قيام الساعة (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) تنبيها على أنه انته سفرك وبلغ ما كان المراد بك من التعرف ، ولهذا قيل له (إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ) أي هذا هو الوادي الذي أودع فيه سر قيام الساعة ورجوع الخلائق إلى الله تعالى ، فاخلع نعليك وألق عصاك ، فإن النعل وأخذ العصا من توابع السفر ، وخلع النعل وإلقاء العصا من أعلام الإقامة ، قال الشاعر :
فألقت عصاها واطمأن بها النوى |
|
كما قر عينا بالإياب المسافر |
وأما الباطن فإن حقيقة النعل ما يكون وقاية لقدم الصدق من عوائق طريق القلب إلى الله تعالى وما فيه من وعر وشوك ، كما نبه عليه قوله صلىاللهعليهوسلم : [تعس عبد الدينار وتعس عبد الدرهم ، تعس وانتكس وشيك ولا انتقش] فنبه بهذا على أن افتتان القلب بزينة الدنيا يعوق قدم الصدق عن السير إلى الله تعالى ، فإن عظم في عينيه منها شيء تعس به ، وإن احتقره أو استهان به كان بمثابة الشوك يدخل في قدم السائر ، فإن انتقش أي أخرجه بمنقاش الاستغفار ، وألقاه بالزهد فيه سلم وسارع بقدم صدقه إلى الله تعالى ، وإن أهمله كان بمثابة الشوكة التي يهملها صاحبها حتى تتمكن ويفسد بها الدم ويحصل المرض والوقوف عن السير ، وربما تمكنت فكانت سببا للموت أو ورما للقدم ، والنعلان يقيان من ذلك ، وهما الرجاء فيه والخوف منه ، كموسى صلىاللهعليهوسلم لما خرج خائفا يترقب ، وقال عند التوجه (عسى ربي أن يهديني سواء السبيل) علم أنه انتعل الخوف والرجاء وركبهما في سيره ، لأن من انتعل فقد ركب ، لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في صحيح مسلم قال : كنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سفر ، فقال : أكثروا من النعال فإن الرجل يظل راكبا ما انتعل. فلما بلغ موسى عليهالسلام في حضرة المناجاة والتأنيس وصل في وادي التقديس ، قيل له (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) لأن الرجاء والخوف لأرباب السلوك لا لمن وصل وخص بمجالسة المملوك ، روينا أن نعلا موسى كانتا من جلد حمار ميت ، فجمعت ثلاثة أشياء : الشيء الواحد الجلد وهو ظاهر الأمر ، أي لا تقف مع الظاهر في كل الأحوال ، والثاني البلادة فإنها منسوبة إلى الحمار ، والثالث كونه ميتا غير مذكى والموت الجهل ، وإذا كنت ميتا لا تعقل ما تقول ولا ما يقال لك ، والمناجي لا بد أن يكون بصفة من يعقل ما يقول ويقال له ، فيكون حي