أرشد الحق تعالى أم موسى عليهالسلام عند الخوف أن تلقيه من يدها وتخرجه عن حفظها ، فإن الله تعالى يتولاه بحفظه ويبقيه برحمته ، وأما قوله تعالى (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) أي على حكم آيتي التي أوحيتها إلى أمك (أن أرضعيه ، فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني ، إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين). ويؤيد أن المراد ذلك كونه جعل ظرف صنعه على عينيه. ـ إشارة ـ ألقي موسى عليهالسلام في التابوت لأن الحكمة ما ظهرت إلا بوجود الناسوت ، وإلقاؤه في اليم إشارة إلى العلم ، أمّا كيف يصح اليم مع العلم ، لأنه لولاه ما صح عند ذوي الفهم ، قال تعالى (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) ولذلك العلم تحيا به القلوب.
(إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى) (٤٠)
(وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) أي اختبره في مواطن كثيرة ، ليتحقق في نفسه صبره على ما ابتلاه الله به. (فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ) ولتعلم أن وعد الله حق.
(وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) (٤١)
ليس لصنعة شرف أعلى من إضافتها إلى صانعها ، ولهذا لم يكن لمخلوق شرف إلا بالوجه الخاص الذي له من الحق ، لا من جهة سببه المخلوق مثله ، وأرفع المنازل عند الله أن يحفظ الله على عبده مشاهدة عبوديته دائما ، سواء خلع عليه من الخلع الربانية شيئا أو لم يخلع ، فهذه أشرف منزلة تعطى لعبد ، وهو قوله (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) وقوله (سبحان الذي أسرى بعبده) فقرن معه تنزيهه.
(اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (٤٢) اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ