الاشتراك فيه ما امتازت ، وقد امتازت ، فأعطى كل شيء خلقه مما تقتضيه الحكمة الإلهية ما يستحقه ، وهو ما يقوّم ذات ذلك الشيء من الفصول المقومة لذاته ، وأما ما تطلبه تلك الفصول من اللوازم والأعراض فما أعطاه ذلك ، لأن أعراض كل ذات لا تتناهى ما دام موصوفا بالبقاء في الوجود ، وما لا يمكن فيه التناهي لا يصح أن يدخل في الوجود ، بل على التتالي والتتابع والطالب بالسؤال المحق ، هو الذي لا يطلب ما لا تستحقه ذاته من لوازمها وأعراضها ، كمن ليس حقيقته أن يقبل التفكر فيطلب أن يتصف بالفكر ، فما هو محق في طلبه ، فإذا طلبه الإنسان إذا كان الغالب عليه الوقوف مع المحسوسات ، فطلب الاشتغال بالتفكّر في خلق السموات والأرض وجميع الآيات فهو محق في طلبه ، صادق الدعوى في نفي التفكّر عنه ، لاستيلاء الغفلة عليه ، فطلبه هذا لا يعارض (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) فله أن يطلب ما تستحقه ذاته من لوازمها وأعراضها ، فهذا هو المحق الذي لا يعارض طلبه حقه الذي يستحقه بذاته ، فينبغي لك أن تعلم كيف تسأل؟ وما ذا تسأل فيه؟ ومن أوصاف المحق أن لا يسأل إلا من بيده قضاء ذلك الحق المسؤول ، فلا تعارض في هذه الآية بين الطلب بالسؤال ما يستحقه من اللوازم والأعراض وبين قوله تعالى (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) من الفصول المقومة لذاته ، وتدل هذه الآية على أن كل شيء في استقامة حاصلة تطلبها حكمة الله السارية في كل كون ، فاستقامة النبات أن تكون حركته منكوسة ، واستقامة الحيوان أن تكون حركته أفقية ، وإن لم يكن كذلك لم ينتفع بواحد منهما ، لأن حركة النبات إن لم تكن منكوسة حتى يشرب الماء بأصولها لم تعط منفعة ، إذ لا قوة له إلا كذلك ، وكذلك الحيوان لو كانت حركته إلى العلو وقام على رجلين مثلنا ، لم يعط فائدة الركوب وحمل الأثقال على ظهره ، ولا حصلت به المنفعة التي تقع بالحركة الأفقية ، فاستقامته ما خلق له ، فهي الحركة المعتبرة التي تقع بها المنفعة المطلوبة ، وإلا فالنبات والحيوان لهما حركة إلى العلو ، وهو قوله تعالى (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ) فلو لا الحركة ما نما علوا ، وإنما غلبنا عليه الحركة المنكوسة للمنفعة المطلوبة ، فإن المتكلمين في هذا الفن ما حرروا الكلام في حقيقته ، واعوجاج القوس استقامته لما أريد له ، فما في الكون إلا الاستقامة ، وهي ما أعطي كل شيء من خلقه (ثُمَّ هَدى) أي بيّن لنا بالتعريف أنه أعطى كل شيء خلقه ، وأعطى الهدى أيضا الذي هو البيان خلقه ، فأبان الأمر لعبيده على أكمل الوجوه عقلا وشرعا ، بأن بيّن